قصص وأبعاد من قصص الحكم السلالي لليمن:
بقلم / حسن_الكنزلي.
في تاريخ اليمن، تظل قصص الحكم السلالي الإمامي شاهداً حياً على استبداد هذا النظام الذي سعى باستمرار لاستغلال السلطة، والتلاعب بالقبائل والشعب لتحقيق مصالحه الشخصية. اليوم يحاول الحوثيون إعادة إحياء هذا الفكر بنسخته الجديدة، حيث يهدفون إلى فرض سيطرة كهنوتية تقوم على التمييز السلالي والطائفي. ورغم ذلك، جاءت ثورة 26 سبتمبر لتضع حداً لهذا الظلم، وتحرر اليمن من قيود الاستبداد. وها نحن اليوم بحاجة إلى إعادة إحياء هذه الثورة والتمسك بمبادئها لمواجهة التهديدات الجديدة التي تواجه البلاد.
القصة الأولى:
عقب فشل ثورة 1948، أمر الإمام أباح أحمد صنعاء للقبائل لنهبها لمدة ثمانية أيام. في تلك الفترة، اقتحم أحد النهابين منزل قاضٍ وعالم جليل ونهب كل ما فيه، وعندما أراد الرحيل، طلب من القاضي مساعدته في حمل بساط المنزل. فقال له: "احمل لي هذا البساط يا قاضي، الله يخليك!"، فما كان من القاضي إلا أن حمل البساط له. ثم لاحظ النهاب أن القاضي ما زال يرتدي ثوباً جميلاً، فطلب منه خلعه، فبقي القاضي بملابسه الداخلية. وقبل أن يرحل النهاب، شكر القاضي وسأله عن اسمه، فأجابه: "اسمي تقية". استغرب القاضي وسأله: "وهل تقية اسم رجل؟" فأجابه النهاب بسخرية: "وهل بقيتَ رجلاً وقد نزعت عني ثوبي؟"
هذه الحادثة تعكس كيف استغل النظام الإمامي المستبد القبائل وأذل النخب والعلماء والمثقفين، إذ صار العدل والعلم ضحية لتلك السياسات الظالمة. يكشف هذا الموقف عن مدى استغلال النظام لرعاع القبائل في تدمير المجتمع ونهب مقدراته تحت غطاء السلطة الإلهية المزعومة.
القصة الثانية:
بين عامي 1816 و1835م، اشتعلت حروب طاحنة بين المهدي الرسي والهادي السراجي، اللذين تنازعا على الإمامة، وقسمت القبائل (الزنابيل) بين طرفي النزاع. وبعدما اشتد الصراع وأهلك البلاد، قرر الطرفان أن الحل الوحيد يكمن في الاتحاد، فأرسلوا وفدين من بيت "الشامي" وبيت "شرف الدين" للتفاوض. أثناء الاجتماع، عبّر الهادي عن غضبه من حجم الدمار وسفك الدماء، فاقترب منه المهدي ضاحكًا وقال: "هل تهدمت بيوتنا؟ هل قتل أبناؤنا؟" فأجابه الهادي: "لا". فقال المهدي ضاحكًا: "إذن لماذا تغضب؟ الحجر من القاع والدم من رأس القبيلي".
هذه القصة تكشف بوضوح كيف أن النظام الإمامي لم يهتم سوى بصراعه على السلطة، بينما جعل القبائل وقوداً لتلك الحروب. فالحكام ظلوا بعيدين عن الأذى، بينما الشعب يدفع الثمن بالدماء والأموال. ويؤكد المثل "الحجر من القاع والدم من رأس القبيلي" فكرة أن الشعب هو الضحية الدائمة لهذا النظام، بينما المستبدون لا يكترثون لمصيرهم.
القصة الثالثة:
أمر الإمام أحمد بهدم بيت الشيخ علي محسن باشا، أحد مشايخ إب الداعمين للثوار، ولبّت القبائل (الزنابيل) أوامر الإمام، وهدموا البيت مرددين زاملًا: "يا حجر بيت اليهودي ** انزلي ولا تعودي". وبعد انتصار الثورة، أمر الشيخ نفس القبائل بإعادة بناء بيته بالأحجار ذاتها التي استخدمت في هدمه، فقاموا بذلك مرددين: "عودي يا حجر عودي ** عودي فوق ظهر اليهودي".
تعبر هذه القصة عن كيفية استغلال النظام الإمامي للقبائل لتنفيذ مخططاته الشخصية، كما توضح استغلاله التام للقبائل وجعلها أداة طيّعة لتحقيق مصالحه دون أدنى اعتبار لكرامتهم أو حقوقهم.
القصة الرابعة:
أحد أئمة اليمن طلب من شيخ إحدى القبائل أن يقود حملة ضد الزرانيق، الذين اعتبرهم متمردين على حكمه، إلا أن الشيخ رفض. فما كان من الإمام إلا أن هدده قائلاً: "إذا لم تستجب لأمري، فسأدعو عليك، وأنا مستجاب الدعاء". لكن الشيخ أجاب: "إذن ادعُ على الزرانيق!".
تكشف هذه القصة كيف استخدم الأئمة الدين كوسيلة للترهيب والسيطرة على القبائل، وهو أسلوب معتاد في الأنظمة المستبدة التي تلجأ إلى استغلال العقيدة لتحقيق أهدافها السياسية.
القصة الخامسة:
الإمام محمد حميد الدين، والد الإمام يحيى، أرسل جيشه لمحاربة الأتراك في تعز على أساس مذهبي، رغم أن وجودهم كان لحماية البلاد من تمدد المحتل الإنجليزي. في طريقهم، مر جيش الإمام ببلدة يريم التي كانت داعمة له. ورغم حفاوة استقبالهم وإكرامهم من أهل البلدة، إلا أنهم ظلوا هناك لمدة شهر ينهبون كل ما يملكه الناس. وقد وصل بهم الجشع إلى قطع أذن النساء لسلب مجوهراتهن، وهي جريمة مروعة جعلت الشاعر يعبر عنها بقوله: "إن شفت شي في طريقك واعجبك شله".
تكشف هذه القصة عن الوجه الحقيقي للنظام الإمامي، الذي لم يفرق بين مناصريه ومعارضيه حين يتعلق الأمر بالنهب والفساد. فالجيش لم يتردد في استباحة أموال أهل البلدة، حتى النساء لم يسلمْن من بطشهم. هذا يعكس تجرد النظام الإمامي من أي قيم أخلاقية أو إنسانية، حيث كانت السلطة والاستغلال هي الهدف الأول والأخير.
لقد جسّدت ثورة 26 سبتمبر رفض الشعب اليمني لهذا النظام الكهنوتي، وأعلنت مبادئها التي تقوم على كرامة الإنسان، العدالة، والمساواة. وفي ظل محاولات الحوثيين لإحياء نسخة جديدة من الإمامة، يصبح من الضروري إحياء قيم الثورة، والتكاتف في مواجهة هذه المحاولات التي تهدد مستقبل اليمن. يجب أن يتوحد الشعب اليمني، قبائل ومثقفين، لمواجهة الفكر السلالي الحديث، وتعزيز الوعي بين الأجيال الجديدة بمكاسب الثورة وأهمية الحفاظ عليها.