ذكرى وفاة عبدالناصر .. في الليلة الظلماء يفتقد البدر
في مثل هذا اليوم الأول من اكتوبر من عام 1970 وارى الثرى جثمان الرئيس الراحل جمال عبدالناصر حبيب الملايين العربية واحرار العالم في اكبر جنازة شهدها العالم لم يشهد لها مثيل حتى الان وسط حضور مهيب بالملايين في القاهرة ، حيث مرت علينا أول من أمس الذكرى ال54 لوفاته... ال28 من سبتمبر 1970 ذكرى رحيل الجسد وخلود الروح والفكرة و هانحن في كل عام نتذكر الزعيم عبدالناصر ونقرأ الفاتحة على روحه ونقول الى جنة الخلد ياجبل الكبرياء العربي..
وفي هذا العام والحمد لله زرت القاهرة في مناسبتين وخلال الزيارة فتشت واطلعت على عدد من الصحف المصرية الورقية القديمة ذات النكهة الصحفية للزمن الجميل عن هذه الذكرى المهيبة والخالدة للزعيم عبدالناصر فأستوقفتني الصحف المصرية الصادرة بعد الوفاة يوم 29 سبتمبر 1970 ويوم الجنازة الأول من اكتوبر وبعدها والمنشتتات العريضة التي كتبت والتي هزتني كقارئ لها رغم مرور خمسة عقود ونيف على نشرها... فصحيفة الاخبار مثلا كتبت (فقدنا عبدالناصر.. فقدنا الزعيم والقائد والبطل ـ أدى رائد الامة العربية اشرف واجب حتى اللحظة الاخيرة ـ العالم كله يبكي جمال عبدالناصر) والمقصود باللحظة الاخيرة هنا المصالحة بين الفلسطينين والحسين ملك الاردن بسبب ماسمي بايلول الاسود بالتاريخ العربي حيث كان عبدالناصر وقبل 3 ساعات من وفاته يقيم الصلح بين الفدائي عرفات والحسين الملك في اخر مؤتمر قمة للعرب دعا له ، القمة التي حرص جدا هو أن يحضرها جميع القادة العرب وبذل جهودا كبيرة ذكرت في كل مذكرات ومقولات الزعماء العرب اللذين حضروا فيما بعد، بل واكدوا انه انجحها رغم الالم والصعوبات والاحداث المؤسفة بالاردن بين الاخوة حينها ليعود الى منزله مباشرة من مطار القاهرة بعد وداع اخر الوفود العربية ليلقى ربه بفراش بيته في تمام السادسة والربع من مساء 1970/9/28م...
وتعد تلك القمة آخر المؤتمرات العربية الحقيقية والمعبرة عن ارادة القائد العربي دون وصايه اجنبيه ، كما جاءت صحيفة الجمهورية بعنوان الخلد لك ياناصر وابرزت صحيفة الاهرام من جانبها عنوانا ( عبدالناصر في رحاب الله) وتحته اربعة اسطر على غير عادتها على رأس الصفحة ــ البطل والزعيم والمعلم يسلم الروح في السادسة والربع بعد نوبة قلبية حادة ـ بيان من اللجنة التنفيذية العليا ومجلس الوزراء ينعي الشهيد العظيم الى مصر والامة العربية ـ جماهير الشعب تخرج الى الشوارع باكية والهة بعد دقائق من النبأ الرهيب ـ جنازة البطل تشيع الخميس العاشرة صباحا لافساح الفرصة لاصدقائه في العالم لحضورها....كلمات كتبها الرجل الأقرب كما عرف الى عبدالناصر رئيس التحرير حينها الاستاذ محمد حسنين هيكل رحمه الله
واصفا النبأ بالرهيب ومشيرا ان الجنازة الخميس الأول من اكتوبر عام1970... بما يدل انه على مدى ثلاثة أيام عاشتها مصر بعد نبأ الرحيل وبكل محافظاتها والشوارع العربية المحتشدة بالملايين في حزن وبكاء وعويل وأن جنازته كانت خيالية الاعداد ودموع النحيب تفوق الوصف كما جاء بصحيفة الاتحاد السورية باليوم التالي الثاني من اكتوبر بعنوان( الملايين تشيع جثمان الراحل العظيم جمال عبدالناصر في موكب لم يشهد العالم العربي نظيرا له وقل أن عرف العالم شبيها به)..
كما خرجت عدد من الصحف العربية كصحيفة النهار بعنوان بكلمتين مات عبدالناصر وصحيفة المساء العالم ينعي عبدالناصر ـ الشعب يبكي رائد العروبة وفقيد الانسانية والسلام و صحيفة الانوار ناصر..لمن الموكب العظيم وصحيفة الوطني : عبدالناصر رسالة خالدة... وكتبت صحيفة الانباء : جمال عبدالناصر قطعة من تاريخنا وجزء من حياتنا ونسمة من مشاعر قلوبنا ـ وكتبت صحيفة المحرر عنوان من الدهشة
(سبحانك يارب : عبدالناصر؟)
ومن أهم المقولات التي استوقفتني عن هذه الذكرى ماكتبه عميد الادب العربي طه حسين رحمه الله : ( أعطى مصر والعرب أسمى مبادئ سوف يذكرها له تاريخ الخلود من اجل الشعب وعزته وكرامته ، لم يأبه للمخاطر ولا حفل بالمخاوف انه البطل الذي كان ويكون وسيكون وأن تعاليمه يجب أن تكون هدى لمستقبلنا من اجل عزة مصر)...
وكذا ماكتبه الاستاذ هيكل رحمه الله الذي أأمل من القارئ العربي اليوم أن يدرك كيف أن الشعوب العربية والاسلامية والعالم الحر لم تنسى ذكرى جمال عبدالناصر الرجل الذي لايتكرر مثله فلنقرأ ماكتبه الاستاذ هيكل ونتأمله ( ابدا لم تلهث الكلمة وتترنح في مواجهة موقف ما مثلما ماحدث لها حين صك اسماعها نبأ وفاة جمال عبدالناصر ، ابدا لم يواجه الاديب والمفكر والفنان تجربة قاسية تمرد عليها فيه خياله وتفكيره وفنه ، مثلما حدث له وهو يقف وجها لوجه أمام الخبر المذهل : اختفاء جمال عبدالناصر من مسرح الحياة)....
وحينما نكتب اليوم الزعيم الخالد عبدالناصر فأنها ليس توصيفا منا لكنها حضرت منذ 54عاما بالصحافة العربية والعالمية وبكلمات نعي لكثيرون معظم زعماء العالم بعد وفاته ـ انديرا غاندي رئيسة وزراء الهند قالت/ستظل تذكر ناصر وستظل ذكراه خالده بأعتباره قائدا عظيما وسياسيا يتسم بالشجاعة والحكمة __ وقال صباح السالم الصباح أمير الكويت أن وفاة ناصر كارثة عظيمه ولقد كان ناصر من أبرز وأشرف زعماء الامة العربية وسيظل خالدا للابد ، وقال نيلسون مانديلا اسطورة افريقيا الانسانية والتحررية غرد بقوله كنت اتمنى مقابلة ناصر ولم تساعدني الظروف في ذلك سأزور مصر وسأذهب لثلاثة اماكن الاهرامات والنيل وقبر الزعيم جمال عبدالناصر...الذي اصبح مزارا حتى اليوم لكل احرار وشرفاء العالم...
وفي ذكرى رحيله ال54 نقول ما قاله الشاعر الابنودي " إزاي ينسينا الحاضر... طعم الاصالة التي في صوته؟ يعيش جمال عبدالناصر
يعيش جمال حتى ف موته ماهوه مات وعاش عبدالناصر!!
ولعلى ماتعيشه الامة العربية اليوم هو زمن الانحطاط الاخلاقي والانساني لمن يسمى نفسه بالمجتمع الدولي ومؤسساته الفاشلة والراضخة للصهيونية العالمية وكيانها البربري المجرم المسمى بأسرائيل النازيون الجدد الذي ارتكبوا اكبر جرائم الابادة الجماعية بحق الشعب العربي الفلسطيني على مدى ستة وسبعون عاما بداية بمذبحة دير ياسين 1948 واخرها غزة هاشم من العام الماضي وهو يعربد فيها دون وجه حق حتى لحظة كتابة هذه الاسطر كما انه يقصف ايضا لبنان ويدمرها ويكرر مذابحه كصبرا وشاتيلا وقانا....الخ التي لاتنسى والعالم الفاسق والشاذ يتفرج يجعلنا....نقوول للعرب جميعا دون استثناء ماقاله الملهم الراحل عبدالناصر : (ماأخذ بالقوة لايسترد الا بالقوة ـ القوة ليست مجرد صراخ بصوت عال ، القوة هي التصرف بايجابية ـ أن النصر حركه والحركة عمل والعمل فكر والفكر فهم وايمان وهكذا كل شي يبدأ بالانسان ـ أن الحق بغير القوة ضائع والسلام بغير مقدرة الدفاع عنه إستسلام ـ أن قضية فلسطين هي قضية كل عربي ولايمكن استعادتها لاهداف شخصية اوسياسية ـ سوف نعود الى القدس وسوف تعود القدس الينا ولسوف نحارب من أجل ذلك ولن نلقي السلاح حتى ينصر الله جنده ويعلي حقه ويعز بيته ويعود السلام الحقيقي لمدينة السلام...)
رحم الله جمال عبدالناصر وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر