لن تتوقع ماذا صنعت عشر دقائق؟
كتب:أبو زين ناصر الوليدي؟
في وسط مدينة عدن، مدينة القرآن والسلام، مدينة الحب والتعايش، مدينة الجوامع والجامعات، وعندما يتنفس الصباح بأضوائه الساحرة، ويصعد صوت المآذن جميلاً رقراقا ينادي الراقدين على شط هذه المدينة ان (الصلاة خير من النوم) فترى أبواب البيوت تتفتح في كل شارع وزقاق ليخرج منها أهل هذه المدينة يتتبعون ذلك الصوت الندي الذي يتصاعد في السماء كأنفاس الورود فيصطفوا خلف إمامهم وهو يرتل لهم آيات من وحي السماء الخالد، تشق قلوبهم كما يشق صوت المآذن عنان السماء، فتراهم راكعين ساجدين خاشعين باكين متضرعين .
بعد أن تقضى الصلاة وأذكارها يتجمع الطلاب حول شيخهم(.......) في مسجد (.........) فيقرأ عليهم من كتاب يضعه على كرسي من خشب بين يديه، لقد عود هذا الشيخ مستمعيه أن لا يزيد زمن تلك القراءة على (عشر دقائق) فقط.
وهكذا كل يوم، وتمضي السنون والشيخ في قراءاته والطلاب من حوله يستمعون وكأن على رؤوسهم الطير ، وهذا اليوم يكتشف الشيخ أن هذه العشر الدقائق قد أنجزت الكثير والكثير، فلقد تفاجأ أنه قرأ لطلابه في هذه العشر الدقائق بعد الفجر مايلي:
صحيح البخاري
صحيح مسلم (مرتين)
سنن أبي داود
سنن الترمذي
سنن النسائي
سنن ابن ماجه
سنن الدارمي
موطأ مالك
الترغيب والترهيب للمنذري
وقطع من مسند أحمد النصف إذ أنه وصل إلى الحديث رقم ( ١٥٦٣٣)
تفسير السعدي (مرتين)
مختصر التفاسير
مختصر تفسير ابن كثير ( المصباح المنير).
....
عندما أطلعت على هذا تذكرت المثل القائل (قليل دائم خير من كثير منقطع) وخير منه قول النبي صلى الله عليه وسلم: (أحب الأعمال إلى الله تعالى أدومها وإن قل) رواه البخاري.
وفي صحيح البخاري أيضا تسأل عائشة رضي الله عنها عن عمل النبي صلى الله عليه وسلم فتقول( كان عمل النبي صلى الله عليه وسلم ديمة)، أتري ما معنى ديمة ؟
الديمة هي المطر الخفيف المستمر الذي ينهمر بسكون وبدون برق أو رعد، والفلاح يعرف أن هذا النوع من المطر هو أنفع أنواع المطر للأرض.
ومما يذكر في ذلك أن الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى كان يشرح زاد المستقنع شرحا مبسوطا مطولا يومين في الأسبوع فقط وفي وقت قصير فظن الطلاب أن الزمان لن يتسع لاستكمال الكتاب وأن الموت سيقطع الشيخ عن الوصول إلى آخر الكتاب طالما وهو يمشي فيه مشي السلحفاة، ولكن ها أنت ترى اليوم كتاب ( الشرح الممتع) في خمسة عشر مجلداً، ولم يرحل الشيخ من الدنيا حتى أكمله وأكمل الكثير غيره وفي شتى الفنون مما تتزين به المكتبة العربية.
ويقول الناس: حبة فوق حبة وكالت، وقطرة فوق قطرة وسالت، وإنما السيل اجتماع النقط، وإن الجبال من الحصى.
والآن
ما رأيك أخي القاريء الكريم أن تشرع في قراءة كتاب رياض الصالحين ثم تأخذ بعده مختصر صحيح مسلم للمنذري ثم مختصر البخاري للشتري، وإذا قوي عزمك تنطلق في بقية كتب السنة حتى تطلع على كلمات المعلم العظيم والنبي الكريم صلوات الله عليه.
وفي الأخير
أقول لهذا الشيخ المبارك: استمر في طريقك وشق سبيلك واثبت على مجلسك حتى يأتيك اليقين لتخرج من الدنيا وقد تركت بصمتك وأنجزت مشروعك، في زمن ضاعت أوقات الناس فيه مع الجوالات والسهرات والمجادلات والمهاترات والقيل والقال.
أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يتقبل منك هذا العمل قبولا حسنا وأن يبارك في عمرك وأهلك وولدك وطلابك وأن ينفع بك حيثما وقعت.