في فنون الابتعاث 

كان أبي - رحمه الله وأسكنه فسيح جناته - يحكي لي حكايات كثيرة في فنون الابتعاث ، وذلك عندما تحصل النزاعات أو الصراعات أو الخصومات أو سوء التفاهم بين القبائل المتجاورة ، من ذلك ماحكاه لي عن سوء تفاهم حصل بين قبيلتنا وبين قبيلة أخرى مجاورة ذات يوم ، تسبب فيه مجموعة من رعاة الإبل من القبيلتين اختلفوا على الماء والمرعى ، ولكن دون أن تصل الأمور إلى إراقة دماء ، وبناء على ذلك ابتعث جدي وفدا من ثلاثة رجال ؛ الأول معروف بالحكمة والحلم والأناة ، والثاني مشهود له بالفصاحة والبلاغة والبيان ، أما الثالث والأخير فهو الفارس الذي لايشق له غبار ، ثم كلفهم بحمل رسالة ود إلى القبيلة المجاورة ؛ مفادها تنقية الأجواء بين القبيلتين ، وإعادة المياه إلى مجاريها ، من غيرما ذل أو هوان أو رضوخ ، وهنا استوقفت أبي سائلا ، ولماذا هذا التنويع في أفراد الوفد يا أبي ؟ أجاب : أما الأول فتكمن مهمته في نقل الرسالة مفعمة بالحكمة والحلم والأناة حتى يتقبلها الخصم بصدر رحب ، فضلا عن أنه رئيس الوفد . 

وأما الثاني فلكي يستطيع إيصال الرسالة للخصم في ثوب قشيب ، فضلا عن أنه إن أسهب لايبلغ الملل ، وإن أوجز تجنب الخلل ، وقبل هذا وذاك فإنه ملزم بتقديم صورة مضيئة عن قومه . وأما الثالث والأخير فإنه يسد الخلل ويجبر الزلل ويمحو الضعف أو الذل أو الهوان إن حصل من الفريق المبتعث أو الوفد الممثل للقبيلة . 

وهل حصل شيء من الطرف الآخر لهؤلاء المبتعثين يا أبي ؟ أجل يابني ، لقد قال أحد أفراد الطرف الآخر والقوم في الديوان : أرى أن نتحاور بالبندقية أفضل ، في هذه الأثناء نط الرجل الثالث في وفدنا كالليث حتى وقع في باب الديوان راكدا على ركبته معمرا بندقيته موجهها في صدور القوم صارخا بالقول : هانحن على أتم الاستعداد يامن تريد الحوار بالبندقية ، الأمر الذي جعل كبار القوم الخصوم يتجنبون حتى اختلاس النظر إلى أسلحتهم ، بل قاموا برمي عماماتهم نحو الفارس ، طالبين العفو منه ...
 للقصة بقية أيها الأحبة