كيفية السيطرة على الاقتصاد اليمني والحفاظ على سعر العملة
في ظل التدهور الحاد الذي يعاني منه الاقتصاد اليمني، أصبحت الحاجة ماسة إلى إجراءات جذرية لاستعادة السيطرة على الاقتصاد والحفاظ على استقرار العملة، يعتبر استقرار العملة المحلية (الريال اليمني) خطوة رئيسية في تحسين الظروف الاقتصادية، حيث يسهم في تقليل التضخم، وتعزيز القدرة الشرائية، وجذب الاستثمارات، ولتحقيق هذا الهدف، يجب اتباع استراتيجيات متكاملة تعتمد على تحسين السياسات النقدية، استعادة النشاط الاقتصادي، وتعزيز الثقة في المؤسسات المالية:
1.تحسين السياسات النقدية وإدارة العملة.
تعتبر السياسات النقدية الفعالة من أهم أدوات السيطرة على سعر العملة، وفيما يلي بعض الخطوات التي يمكن أن تسهم في تحقيق الاستقرار النقدي:
أ. تعزيز استقلالية البنك المركزي:
يجب أن يتمتع البنك المركزي بالاستقلالية الكاملة بعيدًا عن التأثيرات السياسية، ليتمكن من اتخاذ قرارات قائمة على الأسس الاقتصادية البحتة، ومن المهم أن يتم توحيد البنك المركزي في اليمن، حيث أن الانقسام بين صنعاء وعدن أدى إلى صعوبة تنفيذ سياسات موحدة.
ب. الحد من طباعة العملة:
خلال السنوات الماضية، لجأت الحكومة إلى طباعة كميات كبيرة من العملة بدون غطاء، مما أدى إلى تضخم هائل، يجب وقف هذه السياسة وضبط كمية العملة المتداولة لتتناسب مع حجم الاقتصاد الحقيقي، وذلك لتقليل التضخم وضبط سعر الصرف.
ج. بناء احتياطيات من النقد الأجنبي:
للحفاظ على استقرار الريال اليمني، يجب على الحكومة التركيز على زيادة احتياطيات البنك المركزي من العملات الأجنبية، يمكن تحقيق ذلك من خلال تعزيز الصادرات (مثل النفط والزراعة)، وتشجيع تحويلات العاملين في الخارج عبر القنوات الرسمية.
2.إعادة تنشيط القطاعات الاقتصادية الرئيسية.
إعادة تنشيط الاقتصاد يعتمد على تطوير القطاعات الإنتاجية الرئيسية في اليمن، ومن أهم هذه القطاعات:
أ. قطاع النفط والغاز:
يعد قطاع النفط والغاز المصدر الرئيسي للعملة الصعبة في اليمن، يتطلب إعادة تنشيط هذا القطاع تحسين الوضع الأمني في المناطق النفطية، وجذب الاستثمارات الأجنبية لإعادة تأهيل الحقول والمرافق النفطية.
ب. الزراعة:
يشكل القطاع الزراعي قاعدة اقتصادية هامة في اليمن، تعزيز الزراعة المحلية يمكن أن يقلل من الاعتماد على الاستيراد ويحقق الاكتفاء الذاتي، مما سيخفف من الضغط على العملة المحلية، يتطلب ذلك توفير الدعم الفني والمادي للمزارعين، وتحسين البنية التحتية الزراعية مثل شبكات الري والمواصلات.
ج. التجارة والصناعة:
تشجيع المشاريع الصغيرة والمتوسطة وتعزيز الصناعة المحلية يسهم في خلق فرص عمل وزيادة الدخل المحلي، تحتاج الحكومة إلى تقديم تسهيلات ضريبية ودعم تمويلي للمستثمرين المحليين، بالإضافة إلى تطوير القوانين التي تحمي المستثمرين وتسهيل الأعمال.
3.مكافحة الفساد وتحسين الإدارة الحكومية.
الفساد يعد من أكبر العوائق أمام تطور الاقتصاد اليمني، إصلاح الإدارة العامة ومكافحة الفساد يسهمان في تحسين كفاءة استخدام الموارد ويعززان الثقة في الاقتصاد، يجب تنفيذ آليات رقابية صارمة لضمان الشفافية في إدارة المال العام والمساعدات الدولية.
أ. تعزيز الشفافية:
يتطلب مكافحة الفساد وضع آليات للمحاسبة والشفافية في المؤسسات الحكومية، إلى جانب تفعيل دور الأجهزة الرقابية المستقلة لمتابعة صرف الأموال وإدارة المشاريع.
ب. تطوير النظام القضائي:
إصلاح النظام القضائي وضمان استقلاليته سيسهم في تعزيز مناخ الأعمال، ويزيد من ثقة المستثمرين المحليين والأجانب في العمل باليمن، مما ينعكس إيجاباً على الاقتصاد الوطني.
4.تحسين البيئة الاستثمارية وجذب الاستثمارات الأجنبية.
تشجيع الاستثمار هو مفتاح للنمو الاقتصادي، يمكن للحكومة اتخاذ عدد من الخطوات لتعزيز البيئة الاستثمارية:
أ. تحسين البنية التحتية:
تطوير البنية التحتية الأساسية مثل الطرق، الكهرباء، والموانئ سيجذب المستثمرين ويعزز التجارة، كما أن إعادة تأهيل البنية التحتية في المناطق الآمنة يمكن أن يعيد تنشيط التجارة الداخلية والخارجية.
ب. توفير الحوافز الاستثمارية:
من المهم تقديم حوافز ضريبية وجمركية لجذب الاستثمارات الأجنبية، بالإضافة إلى تسهيل الإجراءات القانونية والبيروقراطية لفتح وتشغيل الأعمال، كما يجب حماية حقوق المستثمرين وتقديم ضمانات ضد المخاطر السياسية والأمنية.
5.تعزيز تحويلات المغتربين.
تعتبر تحويلات المغتربين مصدراً هاماً للنقد الأجنبي في اليمن، يمكن تعزيز هذه التحويلات عبر تحسين الخدمات المصرفية وتقليل تكاليف التحويل، وتشجيع العاملين في الخارج على استخدام القنوات الرسمية، كما يجب توفير ضمانات لحماية الأموال المحولة من التقلبات الكبيرة في سعر الصرف.
6.دعم المساعدات الإنسانية والتنموية الدولية.
اليمن يعتمد بشكل كبير على المساعدات الإنسانية، ولكن من الضروري تحويل جزء من هذه المساعدات إلى مساعدات تنموية تدعم البنية التحتية وتخلق فرص عمل مستدامة، على الحكومة اليمنية التنسيق مع المجتمع الدولي والمنظمات المالية لضمان استخدام هذه المساعدات بشكل فعال لدعم الاقتصاد وإعادة إعماره.
أخيراً:
السيطرة على الاقتصاد اليمني والحفاظ على استقرار العملة يتطلب نهجاً شاملاً يشمل تحسين السياسات النقدية، تعزيز الإنتاج المحلي، مكافحة الفساد، وجذب الاستثمارات، رغم التحديات الأمنية والسياسية الكبيرة التي تواجه البلاد، إلا أن هذه الإصلاحات يمكن أن تساهم في وضع الاقتصاد اليمني على مسار التعافي والاستقرار.