شجرة أم مازن "قصة قصيرة"

كتبها / أبو زين ناصر الوليدي

طال وقوف السائق في محطة السيارات، وبدأت احتجاجات الركاب خجلة، ثم ما تزال تتصاعد حتى أوشكت أن تتحول إلى مظاهرة.
ــ يا أخي هيا انطلق، ذبحنا الحر، إلى كم سنظل منتظرين أم مازن هذه؟
(يصرخ شيخ كبير من آخر السيارة ).
تهمس امرأة لابسة جلبابًا سابغًا زادها حرارة إلى حرارة الجو: 
ــ يا ولدي الجو لا يطاق، وأنت مُصِرٌّ على احتجازنا هنا. 
حاول أحد الركاب أن يغادر السيارة صارخًا: من الصباح وأنت تماطلنا - الآن...الآن - ربما تكون السيارة التي تحرَّكت بعدنا قد وصلت إلى عدن، ونحن محبوسون هنا ننتظر أم مازن. 
التفت إليه الشيخ وقال: يا بني، الزم مكانك لا تزد الطين بِلَّة، يكفي أن ننتظر أم مازن، فإذا غادرتَ أنت سنحتاج لانتظار راكبٍ آخر. 
ــ يا عم الركاب يملؤون المحطة، لو أنه يريد الانطلاق دون أم مازن لانطلق الآن، كلما جاء راكب ورأى الكرسي الأمامي فارغًا يقول له: "الكرسي محجوز" .
ــ أرجوك يا بني، انتظر عشر دقائق، إن انطلق وإلا غادرنا كلنا وتركنا (الباص) له هو وإياها. 
ــ يا الله، من أجلك يا حاج ننتظر عشر دقائق. 
همستُ في أذن السائق وكنت جالسًا في الكرسي الذي خلفه مباشرة: 
ــ هل أنت متأكد من مجيء أم مازن؟ الوقت يمرُّ، وحرارة الشمس تزداد، وصراخ الركاب يتصاعد.
ــ نعم، ستأتي، فقد اتصلت عليَّ البارحة، ثم إن هذا موعد سفرها الشهري الذي لا تتخلف عنه منذ وقعت الحادثة، فقد اعتادت السفر معي غالبًا وحجز الكرسي الأمامي هي وحفيدها.
سحب السائق جوّاله فأخذ يتصل بها، ولكن يبدو أن جوالها كان مغلقًا أو خارج نطاق التغطية.
أصوات الباعة، وضجيج ورشة للحدادة قريبة منا، وحرارة شمس حزيران، ودخان سيجارة السائق، وصوت إذاعة السيارة، واحتجاجات الركاب، وطول انتظار أم مازن، أصابت رأسي بالصداع وجعلتني أصبُّ اللعنات على الصدفة التي قادتني إلى هذه السيارة.
وبجانب السيارة تقف سيارات أخرى يطوف حولها شاب أسود اللون، واسع المنخرين، منتفخ العينين، يحمل في يده كأسًا من الشاي الأحمر ويصرخ بصوت مرتفع: 
لودر.. لودر.. هيا اليوم، لودر.. لودر..
في الكرسي الذي يقع خلفي مباشرة والملاصق لنافذةٍ كُسِر زجاجُها واستعاض عنه صاحب السيارة بستارة من خشب غطى بها نصف النافذة، على هذا الكرسي كان يجلس شيخٌ أظنه تجاوز الستين، يلبس إزارًا أسود يصل إلى ركبتيه، وقميصًا أزرق يشبه ثياب الميكانيكيين، ويطوي حول رأسه شالًا أبيض خفيفًا متسخًا يلفُّه بحبل صغير، ويضع على فخذيه صندوقًا بلاستيكيًّا ينظر إليه ويتحسَّسُه الفينةَ بعد الأخرى، كان هذا الشيخ يبدو صبورًا، أو لعله منشغلًا بما في صندوقه، وكانت تنتابه نوبات سُعالٍ تشبه صوت مضخة قديمة تجعله يخرج فمه من نصف النافذة المفتوح ليبصق على (السفلت) بعد كل نوبة سعال.
وفي الكرسي الأخير يتكئ شابٌّ سمين خشن الصوت، كان لا يكفُّ عن الاتصال بجواله، فيصدر أصواتًا مزعجة وقهقهات يملأ صداها السيارة.
وفي اللحظة التي أوشك فيها الركاب على الانفجار وصلت أم مازن تجر حفيدَها أو يجرها حفيدُها. كانت امرأة نحيفة وطويلة، محدَّبة أعلى الظهر، تلبس برقعًا وعباءة سوداء قديمة. ومن تحت البرقع تبرز عينان عمشاوان علتا أنفها الأسمر، كما ظهر منها كفان أجردان سرت إليها الشقوق.
ما أن وقفت عند باب السيارة الأمامي محاولة فتحه حتى أخذ الكل يرمقها بغضب، ويراقب حركتها باستعجال، حتى بدت وكأنها بطلة فيلم تاريخي لحقب عصور ما قبل التاريخ. 
حاولت أم مازن أن تفتح الباب فاستصعب عليها، فدفع حفيدها يدها ليكرر محاولاتها، ولكن جميع محاولاتهما باءت بالفشل، صرخ الشيخ بعصبية مخاطبًا السائق: يا أخي افتح الباب وخلِّصنا، أما يكفي ما نحن فيه من الفجر؟ 
كان السائق يدسُّ المفتاح ويديره ليشغِّل محرك السيارة دون فائدة، فأفاق على صراخ الشيخ ونزل من كرسيه، وبعدة محاولات وضربات بيده الغليظة فتح الباب لأم مازن فصعد حفيدها، ثم جلست بجانبه، ووضعت تحت أقدامهم أكياسًا و(ترمسا) للماء ولحافًا صغيرًا، وحقيبة متوسطة، فلما تأكد السائق من استوائها دفع الباب بقوة ثم أخذ يتأكد من إغلاقه فهزّه عدة مرات. 
عاد إلى كرسي القيادة محاولًا تشغيل السيارة إلا أنها كانت تصدر صوتًا يشبه سعال الشيخ الكبير، وعدد من الركاب يصرخون محتجين يلعنون الحظ والسائق والسيارة والنقابة، والسائق يحاول تهدئتهم ويعزو ذلك العطل إلى البنزين الذي لم يعد موجودًا إلا في السوق السوداء، والذي يخلطه بعض الباعة بالمياه و الزيوت.
بعد لأيٍ تحركت السيارة فتنفَّسنا الصُّعَداء، وفتحنا النوافذ للهواء.
أخذت السيارة تغادر مدينة (مودية) وتترك المباني خلفنا، وبدأ الركاب بالاسترخاء وتبادل الحديث الهادئ، ومنهم من يستمع إلى أغنيات من جواله، ومنهم من يتهامس في أحاديث الدين، والسياسة، والأسعار، والحرب، والثورة، والخدمات. وعلى الكرسي الأمامي بين السائق وأم مازن وقف الحفيد على ركبتيه واتجه بوجهه نحوي، فأخذت أمازحه وأقرص أنفه، وأسأله عن اسمه وعمره ودراسته وألعابه، وهو يجيب بصوتٍ خجلٍ منخفض.
كان يصل إلى سمعي حديث السائق مع أم مازن وهو يسألها عن أحوالها وعن فلان وفلان من قرابتها، مما فهمت منه أن بينهما قرابةً بعيدة ومعرفة جيدة، وكان مما سمعتُ منه قوله: ألا تكفي هذه السنوات يا أم مازن؟! 
إلى متى ستستمر رحلاتك الشهرية هذه؟
يجب أن تنسي وتفكري في القادم وتعتني بحفيدك. 
فكانت تكلمه بصوت لا أسمعه جيدًا إلا أنه مليء بالنشيج والدموع. 
وفي مؤخرة السيارة عاد الشاب السمين للاتصالات المزعجة والقهقهات المدوية، وبدا أن بعض الركاب تضايقوا منه، بل إن بعضهم اشتبك معه في ملاسنة استمرت لدقائق، فتدخل بعض الركاب لفض الاشتباك بينهما.
برزت لنا جبال العرقوب السوداء، فإذا السائق يشير إلى جانب الطريق الأيسر ويقول: هنا وقعت معارك طاحنة مع الحوثيين وقُتِل وأُسر وجُرح منهم الكثير، وعند تلك الشجرة يرقد ثلاثة قتلى بقوا في العراء حتى انتفخت أجسادهم وانتشر نتنهم، وداهمهم الدود، حتى مر بجانبهم صاحب سيارة قلاب فسكب ما في حوضها عليهم فدفنهم.
فلما وصلنا إلى نقطة العرقوب قال: وفي هذه النقطة فجَّر انتحاريٌّ نفسه فقتل عددًا من أفراد اللجان الشعبية، فقال الشيخ الذي خلفي وهو يتحسس صندوقه البلاستيكي: نعم، في ذلك اليوم كنت مسافرًا إلى عدن، ومعي بعض البضاعة، جئنا بعد التفجير ورأينا الدماء والشظايا، يقال إن الانتحاري صومالي. 
لم يكمل الرجل حديثه حتى اجتاح السيارةَ لغطٌ وأصوات وفوضى عارمة، صراخ النساء والأطفال وضجيج الكبار، أخذ السائق يتلفَّت إلى الخلف بخوف وقلق وكأنما شبَّ في سيارته حريق، لقد تحوَّل الركاب إلى ركام من الفوضى، ومن تداخل الأصوات لم نستطع فهم ما جرى، وكان بعضهم يصرخ في السائق: (على جنب.. على جنب). ومنهم من يصرخ: إنها هنا تحت الكرسي، انتبهوا، انتبهوا. 
انتحى السائق جانبًا، وأوقف سيارته، وبسرعة قفز منها وفتح باب الركاب ليتدافعوا إلى الخارج. كان الشيخ صاحب الصندوق البلاستيكي يحاول تهدئة الركاب عندما سمعهم يقولون: أفعى.. أفعى.. فكان يحاول الإمساك بالأفعى وهو يقول: لا تخافوا هذه أفعاي تسللت من الصندوق، لقد نزعت أنيابها، ولكن لم يكن هناك من يعي ما يقول، ولم يهدأ الركاب حتى رأوه ممسكًا بالأفعى في يده وقد التوت على ذراعه، ثم نزل من السيارة يطَمْئِن الركاب ويفتح فم الأفعى ليؤكد لهم أنها دون أنياب. 
رفض الركاب أن يعودوا إلى مقاعدهم إلا بطرد الرجل وصندوقه، وبعد جدل وغضب وصراخ استطاع السائق أن يقنع الركاب بالعودة إلى السيارة على أن يوضع الصندوق على شبك السيارة في السطح بعد أن يغلق بإحكام. 
ما أن استوى كل راكب على كرسيه لاهثًا، وبدأت السيارة في التحرك، حتى بدأ التأنيب واللوم والعتاب يوجَّه لذلك الشيخ، وهو يربط عمامته البيضاء، ويلف حولها الحبل، والسعال يهزه هزا. 
قال السائق في غضب: سامحك الله، أذعرت النساء والأطفال بهذه الأفعى، وسببت لنا حرجًا مع الركاب، والله لو كنت أعلم أن في صندوقك هذا أفعى ما سمحت لك بالسفر معي. 
أخرج الرجل فمه من النافذة فبصق، ثم مسح شفتيه بظهر كفه فقال: يا بني هذا عملي، أنا أطلب رزقي في بيع الأفاعي، أصطادها في الجبال والوديان، ثم أنزع أنيابها وأبيعها في عدن.
صرخ شيخ كبير في مؤخرة السيارة: أما وجدت شيئًا غير بيع الأفاعي تطلب به رزقك؟ فالتفت إليه وقد قبض كفه وأخذ يسعل ثم قال: في هذا البلد كل شيء يباع، حتى الأحذية الممزقة والأواني والعلب وبقايا الأشياء التي يرميها الناس في القمامة، في هذا البلد يبيع أصحاب محطات البنزين ما في خزاناتهم للسوق السوداء، ويبيع المسؤولون المواد الإغاثية، وتباع الأرقام العسكرية والوظائف والشهادات، وتباع المناصب والجوازات، وتباع أراضي الأوقاف وأصوات الناخبين، وتباع الآثار والأحجار النادرة، وهناك أسواق للسلاح بكل أنواعه، بل وأسواق للزواحف والحشرات، فأي عتب عليَّ أن أبيع أفعى أكفي بها نفسي وأسد حاجتي. قطع السعال على الرجل حديثه المتشنِّج، وأخذ الركاب يتبادلون الأحاديث عن بيع الأرقام العسكرية والوظائف، وأحاديث أخرى عن السياسة والحرب والأسعار.
هبطنا من جبال العرقوب على مدينة شقرة فتبدّى لنا البحر كأنه بساط أزرق، وهبَّت علينا رائحته المالحة، وكأنها نسمات قادمة من غابات الساحل الأفريقي. وفي هذه المدينة الصغيرة التي استعصت على التنمية والتطور نزل السائق وبعض الركاب، ونزلت أنا أيضًا لنشتري علب المياه المعدنية وبعض معلبات العصائر، ونزل صاحب الأفعى يتفقد صندوقه، فصعد على ظهر السيارة وأخذ يتحسس الصندوق وينظر إليَّ وهو يبتسم، ثم غادرنا شقرة متجهين إلى زنجبار.
كانت السيارة تسير مسرعة، وعن شمالنا يمتد البحر والرمال، يتغشاها سكون وصمت، وكأنها لا زالت تغطُّ في نومها، أما الركاب فقد أخلدوا إلى السكون، وكأنما سرت إليهم سكينة تشبه سكون أمواج البحر، فأغمضت عيني، وأخذ صوت المحرك والهواء يخفت قليلًا قليلًا حتى غبت في نوم يقطعه ارتجاج السيارة في حفر الطريق. 
أفقت قرب زنجبار على أصوات وحركة، فاستويت جالسًا، فإذا بالسائق يفتح الباب لأم مازن فتنزل هي وحفيدها، والسائق يساعدها في إنزال ما معها من متاع ويحمله مسافة تقارب مائة متر بجانب الطريق حتى جلست هي وحفيدها تحت شجرة هناك، فيعود السائق مسرعًا لاهثًا معتذرًا، وقبل أن ينطلق فتحتُ الباب وجلست بجواره مكان أم مازن.
دلفنا إلى مدينة زنجبار، كانت المدينة تبدو كحسناء أصابها الجذام واقتحمتها الأورام؛ البيوت مدمرة وبعض المباني تحولت إلى أكوام من الحجارة والرمل، آثار الحرب في كل مكان، لا تكاد تجد مبنىً حكوميًّا أو بيتًا إلا وقد أخذ نصيبه من صواريخ الطائرات أو قذائف المدافع، الحطام في كل اتجاه، وبقايا معدات قتالية تتفرق هنا وهناك، والناس يسيرون بين تلك الأنقاض وكأنهم يتحدّون المأساة ويتشبثون بالحياة. 
ترى العربات التي تجرها الجمال والحمير وبعض السيارات تذهب وتجيء في شوارع المدينة المنكوبة، لا زالت الكثير من الشعارات التي تركها مقاتلو القاعدة وشعارات أخرى للحوثيين تتوزع على بعض الجدران. 
تركنا زنجبار وراءنا كشجرة يابسة تستمطر السحاب وتنتظر الأمل.
أخرج السائق علبة السيجارة، ووضع بين شفتيه لفافة منها، ثم أشعل فيها النار وأخذ نفسًا عميقًا ثم مدَّ يده إلى مسجل السيارة، وبدأت الموسيقى تملأ المكان، ثم التفت إليّ مبتسمًا وقال: لقد راعينا أحزان أم مازن فلم نسمع المسجل حتى نزلت. 
قلت: ولماذا هي حزينة أم مازن؟ وكيف تركتها وطفلها في ذلك المكان؟ 
أخذ نفسًا آخر من سيجارته، ثم زفر الدخان من منخريه، ومد يده إلى المسجل وأنقص الصوت فقال:
مسكينة هذه المرأة، توالت عليها الكوارث منذ شبابها، لا تغادرها نكبة حتى تحل بها أخرى، مات أبوها قبل زواجها بأقل من سنة نتيجة لإهمال طبي، ثم قتل زوجها في أحداث ١٣يناير ١٩٨٦م ، لم يكن عسكريًا وليس له في الحرب ناقة ولا جمل، كان يعمل في سيارة خاصة ففُقد هو وسيارته في أيام الحرب الأولى، ولم يعثر له بعدها على أثر. 
عاشت أرملة ليس لها إلا ولدها مازن، كان مازن خيط الأمل الوحيد في حياتها، أفنت شبابها لأجله، حرصت على تعليمه حتى تخرج مهندسًا من كلية النفط، كانت تعقد عليه آمالها الكبيرة فزوّجته وهو مازال طالبًا في السنة الأخيرة من الجامعة، فرزق هذا الحفيد الذي صحبته معها. جاءت الحرب الأخيرة واستحر القتل في كل اتجاه، كنا نحن أصحاب السيارات نمر في طريقنا إلى عدن بعدة كيانات، فبعد أن نغادر حدود سيطرة اللجان الشعبية نصل إلى حدود سيطرة أنصار الشريعة، هذا قبل اقتحام الحوثيين للمحافظة، ثم نغادر دولة القاعدة إلى حدود سيطرة السلطة المركزية.
في بداية الأمر توقفنا عن المخاطرة والسفر، فلما طالت الحرب وجدنا أنه لا بد أن نتعايش معها وننتزع أرزاقنا من بين أنيابها، واستمرت حركة الناس تحت قصف الطائرات وقذائف الكاتيوشا والمدفعية. وفي هذا المكان الذي نزلت فيه أم مازن كانت إحدى الطائرات تلقي حممها فأصابت سيارة كان يستقلها عدد من الركاب فيهم مازن، فمزقت أشلاءهم جميعًا، ودفنت بقايا أشلاء مازن هناك تحت تلك الشجرة.
كان من أصعب الأشياء إخبار أمه بمقتله، فالكل كان يتوقع أنها قد بلغت من إنهاك الكوارث لها ما يضعفها عن الاحتمال، ولكن لا بد مما ليس منه بد. وصل الخبر إلى أم مازن فدخلت في غيبوبة، ثم تبين أنها أصيبت بجلطة أدخلت بعدها غرفة الإنعاش، حتى أوشكت على الموت. 
خرجت من المستشفى بعد أشهر وقد أصيبت بحالة اكتئاب جعلتها تراجع عددًا من الأطباء النفسانيين، فتحولت حياتها إلى ضباب كثيفة من البكاء والأحزان والأمراض والعقاقير، وقيل إنها أصيبت بلوثة في عقلها، لقد فقدت بمقتل ولدها الشريان الذي يمدها بالحياة. 
تخرّج ولدها من الجامعة، وتوظف مع بعض الشركات الأجنبية، وبدأت الحياة تبتسم لأم مازن حتى جاءت الحرب وأرسلت طائرتها فمزقت أشلاء الأمل مع أشلاء مازن، وما تزال هذه المسكينة تزور قبر ولدها نهاية كل شهر حين تتسلم راتب المرحوم زوجها، فتجلس تحت هذه الشجرة تبكي وتنتحب حتى قبيل غروب الشمس، فتقف في الطريق لتؤوب إلى بيتها مع أول سيارة عائدة. 
أكمل السائق حديثه وأخذ ينفث سيجارته، ثم رفع صوت المسجل، أما أنا فقد ألقيت رأسي على الكرسي وصورة أم مازن وحفيدها تتراءى أمام عيني..