مخاطر بناء جيش وأمن بمعايير غير وطنية على مستقبل الدولة الجنوبية..
حذرنا منذ تحرير الجنوب وذلك بعد ٢٠١٥م، أي قبل عشرة أعوام من الآن، وذلك من بناء جيش غير وطني الولاء على مستقبل الدولة الجنوبية التي نسعى لاستعادة مجدها وبناء مؤسساتها، ولكن مثل هذه المحاذير لم تجد آذان صاغية يومها، ولم تلامس الواقع، فبدأت تتشكل القوات الجنوبية حينها (جيش وأمن) بصورة ألوية وكتائب، لكن عملية التشكل هذه أخذت أبعادا غير موضوعية البتة، حيث كان البعد القبلي والمناطقي فارضا لنفسه بقوة، علاوة عن غياب المعايير العلمية والمهنية في عملية الاختيار والتعيين للقيادات العسكرية والأمنية، فكان من نتائج ذلك العمل غير البناء تكريس الأبعاد غير الوطنية، والمحصلة النهائية صرنا أمام جيش وأمن يفتقرين بالضرورة للمعايير الوطنية والمهنية، حيث تجد لواء بقياداته ومعظم أفراده من قبيلة بعينها أو من مديرية واحدة، وهكذا الحال في كافة القوات المنتمية للجيش والأمن في محافظات الجنوب، وهذه كارثة في حد ذاتها، إذ لا يمكن التعويل على قوات على هذا النحو في حماية البلد والدفاع عن مقدراته على المديين المتوسط والبعيد.
وعلى صعيد الأمن تبدو المسألة أخطر بكثير، فالخدمات الأمنية ترتبط بشكل وثيق بحياة المواطنين، ولا غنى للمواطن عن هذه الخدمة العظيمة، والكارثة حين تجد إدارات أمنية تتطلب كفاءات وخبرات، بينما تقاد من قبل مواطنين لا صلة لهم بالعمل الأمني، ولكن تم تعيينهم لحسابات أخرى، كونهم ينتمون إلى هذه المنطقة أو تلك القبيلة، أو لصلات قرابة تربطهم مع بعض هذه القيادات، فكيف يتم التعويل على هؤلاء في إنجاز قضايا الأمن وهموم المواطنين؟.
وكيف يمكن مكافحة الجريمة والكشف عن خيوطها في ظل هذا الواقع غير الطبيعي؟.
لقد كان لهذا التصرف الأرعن نتائج خطيرة، انعكست على السلم الأهلي وحالة الاستقرار في معظم محافظاتنا في الجنوب، حيث تردى الوضع الأمني، وزادت أعداد القضايا المقيدة ضد مجهولين، واستفحلت قضايا الأراضي والعقارات، وتفاقمت المشاكل في أروقة إدارات الأمن دون أن تجد لها مخرجا، كما أخذت المسألة أبعادا أخرى، حيث لجأ بعض التجار ورجال الأعمال للاعتماد على مسلحين لحماية مصالحهم، كما تشعبت قضايا المواطنين، وزادت الثأرات والانتقامات وأعمال الفوضى والاعتماد على القبيلة بدلا من الدولة.
نوجه دعوتنا اليوم لقيادات محافظات الجنوب ومدراء الأمن فيها، لإيلاء الملف الأمني أهمية قصوى، وتصحيح الاختلالات في هذه الإدارات، وتعيين الكفاءات والقادرين عن العمل، والتخلص من الشللية والعصبية التي طغت في الأونة الأخيرة على موضوعي الاختيار والتعيين.