الإسلام والكوليرا
الكوليرا، مرض إسهال حاد، يمكن أن يكون قاتلاً؛ إذا لم يتم التعامل معه بشكل سريع وصحيح. وهو من الأمراض المتعلقة بالفقر، حيث يصيب الذين لا يحصلون على مياه نظيفة ومرافق صحية أساسية. وتزداد خطورة الإصابة به في الأماكن التي تشهد نزاعات وتوسعًا حضريًا غير منظم وتغيرًا في المناخ...
وللعلم ليس كل إسهال كوليرا؛ فإسهال الكوليرا يتميز بأنه مائي مثل ماء الأرز، وإذا أصيب شخص به؛ ينقل إلى المستشفى؛ لأنه حالة طارئة لا تنفع معها الأدوية؛ وإنما تحتاج إدارة طبية فقط!
وللوقاية والمكافحة؛ فإنه يجب أن تتعاون الجهات المعنية، ومنظمات المجتمع المدني، والمبادرات المجتمعية، في توعية الناس حول الكوليرا وكيفية الوقاية. بإقامة حملات توعية في المساجد والمدارس والمجتمعات...
وينبغي أن ننظر إلى هذه التوعية بأنها مما يحبه الله ويرضاه، ومما نؤجر عليه؛ كونها من باب نفع الناس، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «خيرُ الناس أنفعهم للناس». وكونها صدقة نؤجر عليها؛ لأنها فعل معروف، وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: «كل معروف صدقة..» [متفق عليه]. وكونها دلالة على الخير و"الدال على الخير كفاعله" والمؤمن يحب لأخيه ما يحب لنفسه ويبغض له ما يبغض لنفسه. وكونها من باب التعاون على البر والتقوى ودفع المضار والشرور...
وينبغي أن نقصد من ذلك وجه الله -تعالى- بإخلاص؛ لا نبتغي جزاء ولا شكورا؛ إلا من الله؛ إذ قال تعالى: {لَّا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: 114].
وليكن تحرك الجهات المعنية مبادرة ذاتيه، بدافع إيماني، وحس بالمسؤولية أمام الله، ثم أمام المجتمع؛ وليس للاستهلاك الإعلامي الأجوف، وطلب السمعة والشهرة.. فـ "كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته".
وكل مسؤول وَلَيَ جهة من هذه الجهات، أو غيرها؛ فلم يخلص لها ويؤدي حقها؛ فليعلم أنه على خطر! قال -صلى الله عليه وسلم-: «ما مِن عَبْدٍ اسْتَرْعاهُ اللَّهُ رَعِيَّةً، فَلَمْ يَحُطْها بنَصِيحَةٍ، إلَّا لَمْ يَجِدْ رائِحَةَ الجَنَّةِ». [صحيح البخاري، عن معقل بن يسار]. والمسؤولية إنما هي تكليف، لا تشريف، وما سمي المسؤول مسؤولا؛ إلا لأنه سيُسأل يوم القيامة عما استرعي.
وينبغي اتباع الإرشادات الصحية؛ بتوفير واستخدام المياه النظيفة، وإن لم تتوفر؛ نعقمها بالغليان واجتناب الأطعمة الملوثة. وعلينا اتباع إجراءات الوقاية، كمنع الأطفال من تناول طعام الشارع، وحثهم على غسل اليدين؛ قبل وبعد الأكل، وبعد الخروج من الحمام؛ لأن الكوليرا تهدد الأطفال بشكل أساسي. وعلى ربات البيوت تنظيف اليدين بالماء والصابون قبل الطبخ، وقبل إطعام أطفالهن، وبعد تنظيفهم من الغائط. وعلينا بشكل عام الحفاظ على إجراءات النظافة الشخصية والنظافة العامة، ولنعلم: {.. إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة: 222]. يحب التوابين الذين يتطهرون من ذنوبهم، ويحب المتطهرين الذي يتطهرون من أوساخهم وأدرانهم. وموضوع النظافة الشخصية والنظافة العامة في الإسلام؛ لا يتسع لها مقالنا هذا، وكل منهما موضوع مستقل بحد ذاته. ولكن علينا أن نعلم أنهما مما يأمر بهما ديننا، ويحث عليهما ويعدهما من شعب الإيمان وكمال الإسلام..!
والله تعالى أعلم!
ودمتم سالمين!