غزة والاخدود
بقلم/حسين السليماني الحنشي
تعتبر غزة في هذا العصر الحديث، كأنهم صبي الأخدود الذي أحيا بدمه البشرية، حينما قذفته يدا الطغيان والاجرام إلى النار، واليوم يتكرر المشهد من طغاة العالم الحديث حينما أُحرقوا أهل غزة جميعاً، ونحن نرى الدمار والجنائز والاشلاء، لكن من يحترق في الاخدود من أهل غزة اليوم لم يرتدوا عن مواقفهم والتمسك بالأرض، فتكرر المشهد فيهم.... فقد كانت شعوباً من قبل، لم يروعها أحد، ولم يستطع توقيف ثورتها، فبذلت الغالي والنفيس من الدماء لتحيي شعوب صابها الذل والخنوع، بل كانت دموعهم مع ثباتهم تطفئ الحرائق في القلوب والدور!
فلم يكن الاخدود إلا بقعة من نعيم التوكل على الله والاطمئنان بوعده، فمسحوا دموعهم، وزرعوا أجيال من الشهداء يتسابقون بالقربات، لكن تلك القربات هي نفوسهم وأكبادهم! لقد فاز أهل غزة من بين الشعوب، حينما تسلحوا بالعقيدة، بل وجعلوها سلوك لا سطور ، لم نرى منهم ساخطاً مما أصابهم... يجمعون أشلاء أحبائهم ويحمدون ربهم، ....يمسحون دموعهم بيد ويحملون السيف بيد أُخرى ، عقيدتهم امتلأت بها قلوبهم ففاضت على جوارحهم!
هؤلاء الرجال لم يتخرجوا في كليات حربية غربية، ولم يدرسوا الاستراتيجيات العسكرية في المعاهد العريقة..
ولا يعلقون على صدورهم نياشين و أوسمة، ولا يضعون على أكتافهم رتبا عسكرية...
لكنهم تخرجوا في المدرسة الإيمانية لصناعة الرجال، ويحملون في صدورهم إرادات تزيل الجبال!!!
رجال..بل رجال الرجال وأسود النزال....لا ينامون يعملون ليلا نهارا لتحرير الأرض والعرض، وما وهنو ولا استكانو،.... لله در رجالا امثالكم يا أهل الاخدود (غزة)، صنعتم الأمجاد... وبذلتم الأسباب...
مناضلون من أجل الحرية..متمسكون بالمبادئ والقيم الإنسانية...
وهذا البلاء من أعظم مايكون على تلك الفئة المتحررة من بين الأمم ، من قبل المتجبرين الخالية قلوبهم من الرحمة الممتلئة بالقسوة، وهؤلاء جمعوا الطغيان والاجرام وتركوا كل قيم الانسانية، الأخلاقية والدينية والاجتماعية، في محاربة الفضيلة، بل واستخدام كل وسيلة لتعذيب السكان المدنيين وإحراق المخيمات، ومنشآت طبية بكل وسيلة أمكن الوصول إليها. كان الذي حفر الاخدود، هم قوما يكفرون بكل جميل، وكان الجشع يمتلئ بصدورهم، ومن تكن تلك أخلاقه، فهو أولى من غيره بالكفر بكل القيم المتعارف عليها بين أفراد الشعوب.
غزة والاخدود الذي حفروه لها أحيا به اليوم شعوباً حول العالم!
فقد نطق الطفل في المهد للثدي الذي يرضع منه : إن لا خوفاً عليّ من الجوع ، فإن الحق لا يمكن أن يكون مع من يحرق أفواجاً من البشر! ومن يقتل الحياة، بل مع أصحاب الاخدود، حتى وإن كانت النار مشتعلة بكل مكان...، وحتى وإن رأيتم قوافل الشهداء والجرحى والمقابر الجماعية والجوعى، وحتى وإن رأيتم الجبابرة يقفون على حافة الاخدود يمنعون الخروج منه...
لكن هيهات هيهات أن يتحقق لهم إلا كما كان من النمرود!
فتحية تملئ الدنيا لكم يا أحرار العالم كله، يا أهل الاخدود في غزة!!!