من أرشيف الذاكرة 

بعد أن عدت من منفاي الطويل ، وجدت كثيرا من الأمور قد تغيرت ، ولم يعد الحكم والنفوذ لأولئك الذين هجرونا من بلادنا قسرا ، بل قد آلت الأمور إلى جماعة هم أشد من سابقيهم ظلما ، وأكثر منهم جورا ، وأقل منهم قبولا بالآخر ، وإذا ما كان من فرق بينهم إنما يكمن في أن الأولين كانوا يلتحفون بلحاف أحمر ، وهؤلاء يرتدون ثوبا أخضر ...

قمت على الفور ببناء بيت متواضع جدا ، لعله يقيني أنا وأطفالي من هجير الشمس ، وصقيع الشتاء ، وقطرات السماء ، وكان البيت يتكون من غرفتين ؛ غرفة للنوم وأخرى للاستقبال ، وفي أحد الأيام جاءني أحد المعلمين ، وعرفني بنفسه ، الأمر الذي جعلني أعود إلى الماضي ، وأفتش قليلا في أرشيف الذاكرة ، ماجعلني استذكر أباه الفقيه خليل ، الذي وفد إلى جدي في الأربعينيات من القرن المنصرم ، وكيف احتفى به جدي ، وأمره بأن يقيم في جامع البلدة ، وفرض له النفقة التي تكفيه ، مقابل أن يؤم الناس في الصلوات ، ويعلم الفتية القراءة والكتابة وحفظ القرآن الكريم ، وفي ذات يوم جاء إلى جدي ، وشكا له مايعانيه من الخوف في أثناء التنقل في أحياء البلدة وأسواقها ، وبين مختلف سكانها ، فقال له جدي بما أن ابني أحد تلامذتك سوف أكلفه بأن يلازمك في حلك وترحالك ، وبوجوده إلى جانبك لايستطيع أحد أن يتعرض لك أو يؤذيك .

وفي هذه الأثناء قال المعلم : وكأن فكرك قد انشغل ، وعقلك قد ذهب بعيدا عني أيها الأستاذ الفاضل ، أليس كذلك ؟ قلت : بلى أيها المعلم النبيل ، ولكن اسمك هو الذي جعلني أحلق بعيدا في عالم الخيال ، واستذكر أمورا قد أكل الدهر عليها وشرب ، أما الآن فها أنا ماثل أمامك ، فهل من حاجة أقضيها لك أيها المعلم اللبيب؟ قال : أجل ، لقد جئتك لأشكو لك كثيرا من الأمور ، أهمها إبعادي عن إدارة المدرسة بعد أن مكثت أكثر من 10 أعوام على رأس إدارتها ، أدبر شؤونها ، وأنفذ أهدافها ، وأنشر رسالتها ، وبما أنك تحضى بمكانة سياسية ومنزلة اجتماعية في البلدة تستطيع أن ترد إلي شيئا من حقوقي المهدورة وكرامتي المنثورة ... للقصة بقية أيها الأحبة ..........