شيخة قبيلة في جنوب أفريقيا

كتب/ أبو زين ناصر الوليدي

في هذه القصة العجيبة جدا خرج ستة عشر داعية من مدينة اللد الفلسطينية, وأميرهم الشيخ محمود زكريا الفلسطيني لمدة سنة كاملة في الأردن وقطر وزامبيا وناميبيا وجنوب أفريقيا، وفي جنوب أفريقيا يوجد رابع أكبر مركز للدعوة في العالم، فلما وصلوا هذا المركز قال الشيخ زكريا للإخوة في شورى المركز :
نحن لم نخرج من بلادنا للأكل والشرب والنوم والضيافة، بل نريد أن نخرج إلى مكان لم تصله قدم مسلم قبلنا.
فقيل لهم: إذن سنرتبكم إلى منطقة الجبال، وهي منطقة قبلية وثنية بعيدة، لكن لابد أن نرسل إلى تلك القبائل من يستأذن لكم، ولابد أن يخرج معكم عدد كبير منا.
فأرسلوا رسولا إلى تلك القبائل، فعاد بعد أربعة أيام يحمل معه الموافقة، فتحرك ستون داعية إلى تلك الجبال الوعرة متوكلين على الله الواحد القهار، حتى نزلوا في إحدى تلك القبائل الوثنية البدائية في بيوت من الحجارة المرصوصة والقش والحطب والأخشاب، وكان معهم مترجم أفريقي أسلم منذ سنوات على يد جماعة باكستانية، وهذا المترجم ملم بأحوال القبائل وتركيبتهم وطريقة تفكيرهم، وكان الشيخ محمود زكريا يتكلم الإنجليزية .
فلما نزلوا هناك قيل لهم لابد أن يكون نزولكم عند (شيخة القبيلة)، قال الشيخ محمود : في الحقيقة أنا تفاجأت أن شيخ هذه القبيلة امرأة، فدخلنا بيتها فوجدناه بيتا صغيرا مبنيا بالحجارة البسيطة ومسقوف بالقش ووجدناها تجلس على كرسي على اعتبار أنه عرش لزعيمة القبيلة، وقبل أن أبدأ الكلام معها قال لي المترجم : هذه المرأة هي المفتاح فاصدق الله معها فلو أسلمت ستسلم القبيلة كلها وإن رفضت الإسلام فلن يسلم أحد، قال : فتذكرت قصة إسلام سعد بن معاذ وأسيد بن الحضير، فبدأت الحديث معها عن الخالق الواحد وعن عظمته وقدرته، واستطردت معها في التوحيد وكلمتها عن حاجة البشرية للأنبياء والرسل، وعن المعاد وعودة الناس للحياة بعد الموت، والجنة والنار والحساب. .إلخ، والمترجم يترجم حتى شعرت أني أرهقت فتوقفت، فوجمت المرأة وطال صمتها ثم قالت :
منذ سنوات مات جد لنا وكان هو شيخ القبيلة، ولكن  وهو على فراش الموت دعا وجهاء القبيلة وكنت أنا وزوجي الراحل نسمع فقال:
إنكم تعيشون حياة بائسة فليس معكم دين ولا دنيا، وأنا الآن في آخر أيام حياتي، فإذا جاءكم دين مبارك ترون فيه خيرا لكم فاقبلوه، ثم لم يلبث حتى مات، فخلفه زوجي على زعامة القبيلة ثم مات، ثم خلفت أنا زوجي على القبيلة، ومنذ ذلك الحين لم يأتنا أحد يدعونا إلى أي دين، وعلى هذا فأنا أقبل كل ما تفضلتم به من الشرح والبيان.
قال : فهللنا وكبرنا فشرحنا لها معنى الشهادتين ثم طالبناها أن تنطقها بالعربية فنطقتها، وكان مشهدا لا يوصف، ثم قالت : أنتم انتظروا هنا وسوف أرسل إلى قومي ليجتمعوا وأنتم أعرضوا عليهم كل ما تفضلتم بعرضه علي، ثم أرسلت من يدعوهم فتجمعوا حول بيتها فوقف فيهم الشيخ محمود زكريا خطيبا يدعوهم إلى الإسلام، والمترجم يترجم فلما أكمل وقفت زعيمتهم فيهم خطيبة فقالت لهم : انظروا إلى حالنا وبؤسنا وحياتنا هل تريدون أن ننتقل من هذا البؤس إلى النار...... وفي آخر كلامها أخبرتهم أنها أسلمت وأنها قبلت كل ما قاله الشيخ العربي، ثم وقف الشيخ محمود في مكان مرتفع يردد الشهادتين وهم يرددون وراءه وكانوا أكثر من ستمائة.
قال الشيخ : شعرت أن الجبال كلها تردد الشهادتين معنا،ولم يبق أحد منا إلا وسالت دموعه مدرارا.
ثم تفرق الإخوة في الجموع يشرحون لهم الإسلام، وكان معنا من دعاة جنوبي أفريقيا أربعة وأربعون داعية، ثم جلسنا مع الزعيمة فقالت : نحن نحتاج منكم دعاة من أهل بلدنا يقيمون معنا حتى نتعلم الإسلام لأنني رأيتكم تفعلون أشياء تحتاج إلى معلم(تقصد الصلاة)، نحن قبلنا هذا الدين المبارك بكل تفاصيله، ونريد أن نتعلمه حتى نصبح مثلكم، ولو لكم زوجات وأخوات وبنات مسلمات مثلكم أحضروهن معكم ليعلمن النساء.
قال : فقلنا لها سوف نعود الليلة إلى المركز ونأتيكم غدا ومعنا بعض النساء وما تحتاجون إليه من ثياب ساترة للصلاة.
فعدنا إلى المركز وكان يوما مشهودا. فتحمس الإخوة واصطحبوا زوجاتهم وبناتهم حتى عددت عشرين امرأة وأخذوا معهم الكثير من الثياب النسائية، وخرج معنا آخرون حتى أصبحنا تسعين داعية فأسسنا لهم مسجدا ومكثنا فيهم شهرا كاملا، فتعلموا الصلاة وأركان الإسلام وبعض السور، وقبل أن نغادرهم استدعتني الزعيمة وقالت : إن وراء هذه الجبال الكثير من القبائل مثلنا، والذي إن عرضتم عليهم ما عرضتموه علينا فلن يرفضوه فلا يليق بكم أن تتركوا هؤلاء الناس يموتون على الوثنية.
فقلت لها : نحن العرب انتهت الآن مدة خروجنا، ولنا ارتباطاتنا ولكن سوف يأتيكم الإخوة من المركز ونرتب من يقيم معكم بشكل دائم، وأعدك أني سأعود إليكم المرة القادمة في عدد كبير من العرب.
فلما بدأنا نتجهز للعودة جاءت فتاة صغيرة سميناها مريم جاءت تجري نحوي حتى وقفت أمامي فقرأت سورة الفاتحة باللغة العربية ودموعها تجري على خديها.
قال الشيخ : ثم جرى تعيين طالبي علم وهما شابان سنغاليان للإقامة الدائمة مع القبيلة لإقامة الجمعة والجماعة وتعليم الإسلام والدعوة إليه، وجعل المركز من ضمن برامجه متابعة هذه القبيلة......
فأين أنتم أيها الدعاة العرب؟
العالم ينتظركم؟
فهل من مشمر؟

ناصر الوليدي - الملتان - باكستان
٢٠١٨م 


 *من كتابي بين الأنهار الخمسة*