العواطف والانفعالات في زمن الحروب والأزمات ..!!
هذا المقال كتبته في 8 اكتوبر 2023م بعد الطوفان.بيوم واحد .. مدون على صفحتي بالفيسبوك .. وكم كنت أتمنى أن أكون مخطئ في قراءتي للمشهد .. وكم كنت أتمنى أن أشاهد الشعب الفلسطيني حر ومستقل ..!!
بداية .....
ولتوضيح الموقف نحن مع قيام دولة فلسطينية على كامل التراب الفلسطيني ، ونحن مع تحرير القرار السياسي العربي في كل العواصم العربية من هيمنة وتدخل اصحاب المشاريع التوسعية الخارجية بكل أشكالها وانواعها ومسمياتها ، نحن مع وطن عربي حر ومستقل ، وهذا موقفي وموقف كل عربي حر وغيور ومتحرر من تأثير التعصبات المذهبية والطائفية بكل أشكالها ، والتي قد جعلت بعض العرب بعلم او بدون علم يخدمون مشاريع توسعية خارجية على حساب استقلال وكرامة وسيادة اوطانهم ، ويقبلون بأن تصبح أوطانهم تحت وصاية تلك المشاريع الخارجية بدوافع قد تكون طائفية أو مذهبية أو حزبية ، بل قد وصل الحال بالكثير منهم إلى القتال في صفوف تلك المشاريع وصولا إلى إخضاع أبناء شعوبهم للاستعمار الجديد المغلف بغلاف طائفي أو مذهبي ، تحت تأثير العواطف والانفعالات التي يجيد اصحاب المشاريع التوسعية اللعب على وترها ، فتراهم تارةً وهم يرفعون شعار الدين وتارةً وهم يرفعون شعار تحرير فلسطين ، وتارةً وهم يرفعون شعار محاربة الارهاب ، وتارةً وهم يرفعون شعار العداء لأمريكا والغرب ... وهكذا ، لديهم قدرة وخبرة كبيرة في دغدغة عواطف وانفعالات الشعوب العربية ، لدرجة أن العديد من أبناء هذه الشعوب قد يتصرفون ضد مصالح أمتهم وأوطانهم ..!!
ومن خلال قراءة التاريخ فالشعوب العاطفية والانفعالية تتلقى دائماً ضربات موجعة ومؤلمة في كل مواقفها ومعاركها ، لأنها لا تقرأ الموقف والمشهد بعين العقل من كل الزويا والاتجاهات ، فالعواطف والانفعالات لا تصنع النصر ، لأنها لا ترسم الصورة الكاملة لنتائج وتداعيات الحرب ، فقد تدفع بدخول المعركة تحت تأثير الانتقام او تحقيق نصر مؤقت أو لتحقيق مكاسب سياسية ، ولكنها لا تضع الخطط الكفيلة بتحقيق النصر الكامل وبمواجهة تداعياتها ونتائجها الكارثية أو على الإقل الخروج بأقل الخسائر ، لذلك يظل الاعتماد على الله تعالى ثم على العقل في مثل هذه المواقف هو الافضل ، فالعقل قد يمنع الاندفاع العاطفي والانفعالي من خوض معركة ستكون نتائجها سلبية وخسائرها كارثية ، وكان ولا يزال الاندفاع العاطفي والانفعالي العربي في مواقفهم المختلفة سبب انتكاساتهم المتكررة عبر التاريخ ، فليس من العقل والمنطق والحكمة والشرع ان تدخل حرب لا تعرف نتائجها ولا تداعياتها ولا تضمن النصر فيها ، لأنك بذلك تمنح عدوك المبرر للانتقام منك وتدمير كل قدراتك وامكانياتك وقتل المزيد من أبناء شعبك ، فالعمل البطولي بدون تعقل وتبصر قد يتحول إلى مأساة وكارثة لا يحمد عقباها ..!!
نعم نحن العرب طموحاتنا كبيرة وأحلامنا أكبر ، لكن الواقع دائما يحول دون تحقيق ذلك ، بل إن الفشل والانتكاسات تلاحقنا في كل تحركاتنا وتصرفاتنا ومعاركنا ، ليس لعجز فينا ولا لقلة ولا لخوف ، بل لسيطرة انفعالاتنا وعواطفنا على كل تفكيرنا ومشاعرنا ومواقفنا ، وتعطيل عقولنا عن التفكير الحر والمفتوح ، التفكير العقلاني والموضوعي الشامل لكل ما يدور حولنا ، التفكير الكفيل بجعلنا ندرك من يقف معنا ومن يقف ضدنا ، من يستغلنا ومن يستغفلنا لنكون مجرد ادوات تخدم مشاريعه ومصالحه وسياساته ، التفكير الذي يجعلنا نقدم مصالح أمتنا وأوطاننا على المصالح الحزبية والطائفية والمذهبية والشخصية الضيقة ، التفكير الكفيل بإنقاذنا من التهور والطيش والمغامرة ، التفكير الذي يمكننا من تسخير كل ما يدور حولنا في مصلحتنا ومصلحة قضايانا ، التفكير الذي يحررنا من التبعية والانقياد خلف الاخرين وخدمة مشاريعهم ومصالحهم على حساب قضايانا ومصالحنا ..!!
نعم نحن العرب في أمس الحاجة إلى كبح جماح مشاعرنا وعواطفنا وانفعالاتنا ، التي تكون في كثير من الاحيان سبب فشلنا وعجزنا وخسارتنا ، والتي تجعلنا بدون علم نقدم الخدمات المجانية لأعدائنا للبطش والتنكيل بنا والسخرية منا ، والسيطرة على قرارنا واستعمار ارضنا ، والتي تجعلنا نندفع ونتفاعل ونتفاخر لوقت قصير ، وتجعلنا نحزن ونتألم وندفع أثمان باهضة لوقت طويل ، وفي نفس الوقت نحن في أمس الحاجة لتفعيل عقولنا من خلال قراءة كل ما يجري حولنا من كل الزوايا ، قراءة موضوعية وعقلانية وتحليلية لكل جزئياته وتفاعلاته ، القراءة التي تجعلنا ندرك من هو الطرف المستفيد مما يجري حولنا ، وندرك حجم الخسائر والنتائج السلبية المترتبة على ذلك ، القراءة التي تجعلنا نكسب الموقف او المعركة او على الاقل تجعلنا نخرج بأقل الخسائر ، القراءة التي لا تجعلنا ندخل معركة خاسرة معركة ندفع فيها تضحيات جسيمة وخسائر فادحة ، مقابل تضحيات وخسائر محدودة من الطرف الآخر ، القراءة التي تجعلنا نحرم عدونا من تحقيق أهدافه وغاياته وسياساته على حساب أرواح شعوبنا ومكاسب ومنجزات اوطاننا ، القراءة التي تجعلنا نحسب لكل صغيرة وكبيرة حسابها ، القراءة التي تجعلنا نناصل ونكافح ونعمل ونبحث وندرس حتى نتملك كل مفاتيح النصر الكامل والشامل ، عندما نصل إلى هذه المرحلة ونتمكن من كبح عواطفنا وانفعالاتنا ، ويصبح العقل والفكر هو دليلنا ومرشدنا نكون أكثر قربا من تحقيق احلامنا وطموحاتنا ..!!