من أرشيف الذاكرة 3

دارت الأيام ، وأصدرت الحكومة قانونا يقضي بإعادة النظر في هيكلة أجور المعلمين ، في الوقت الذي كان المتقمصون للثوب الأخضر هم المسيطرين على مفاصل التربية والتعليم من قمة الهرم إلى القاعدة ، وقد نص القانون على أن المعلمين المفرغين في إدارات أو مرافق أخرى لايشملهم تحسين وضع المعلم المعيشي ، ويبقى الأمر محصورا على المعلمين الذين لديهم برامج تدريس مشفوعا باستمارة تحمل توقيع وختم مدير المدرسة ، فيها أسماء المواد التي يقوم بتدريسها المعلم ، وعدد الحصص أو المحاضرات التي يقوم المعلم بتأديتها في الأسبوع .

نزلت اللجان المكلفة بإعداد الوثائق التي نص عليها القانون إلى المدارس ، وكانت تنظر في أسماء المعلمين في كل مدرسة ، فإذا ماوجدت معلما مفرغا أو منتدبا في مرفق آخر ، وهو ينتمي إلى أصحاب القمصان الخضر أمرت مدير المدرسة أن يعد له برنامجا وهميا ، ويؤكد بتوقيعه وختمه أنه أحد المعلمين المنتظمين في المدرسة بشكل يومي ، وإذا ماكان المعلم المفرغ أو المنتدب من كيان آخر أمروا المدير أن يؤكد بتوقيعه وختمه أنه مفرغ في جهة معينة ، ولايمارس أي نشاط في المدرسة ، وليس له أي تواجد فيها .

في هذه الأثناء جاء إلي أحد المعلمين ، وشكا لي الحال ، وبكى من المآل ، الأمر الذي جعلني انطلق مسرعا إلى مقر اللجنة ، أمسكت بقوائم الأسماء ، والاستمارات الموقعة من المدراء ، وقمت بتمزيقها ، ثم وضعتهم أمام خيارين ؛ إما أن تعملوا بما نص عليه القانون ، وتطبقوه على الجميع ، أو أن تتحايلوا على القانون ، وترفعوا بالكل ضمن العاملين ، قالوا سوف نعمل بالخيار الثاني ؛ لكي يستفيد الكل من القانون . 

انشغلت ببعض الأمور حتى جمعتني الصدفة باللجنة في الليلة الأخيرة من عملها بالبلدة ، وكان بمعيتي مدير المدرسة ، عند ذلك طلبت من رئيس اللجنة أن يريني عينة من الاستمارات الخاصة بالمعلمين ، فأطلعني على شيء منها ، ثم قال : لم تبق إلا استمارتك فاضية ، ولكن طالما والمدير معك فلينزل لتعبئتها والتوقيع عليها وتختيمها ، نزل المدير من المركبة ، ودخل الغرفة التي تتواجد بها اللجنة ، وبقيت أنا أتحدث مع بعض الشخصيات الاجتماعية ، وبعد بضع دقائق عاد المدير إلي ، سألته ، هل انتهيت من أمر الاستمارة ؟ قال : أجل ، حتى إنهم طلبوا مني أن أضع لك ست حصص في الأسبوع لكنني رفضت ، ووضعت لك اثنتي عشرة حصة . للقصة بقية أيها الأحبة ...