حين يفقد الإنسان القدرة على الفرح.. وجع لا يُرى

في زحام الحياة وتسارع نبضها، يقف البعض في منتصف الطريق، ليس لأنهم فقدوا الاتجاه، بل لأنهم فقدوا الشعور.
عبارة تختصر هذا الوجع تقول:
"كنتُ أعشق التفاصيل الجميلة، حتى صرتُ أتهرب منها.. كأنّني فقدت القدرة على الفرح."
عبارة تختصر حكاية جيل، وربما حكاية وطن.

تُظهر هذه الجملة مدى التحوّل النفسي العميق الذي يعيشه الإنسان حين تتراكم عليه الضغوط، فيفقد تدريجيًا حسّه بالجمال، وبدلًا من أن يركض خلف التفاصيل التي كان يحبها يومًا، يبدأ في الهروب منها. ليس لأنها لم تَعُد جميلة، بل لأنه أُرهق حدّ الإنطفاء.

فقدان القدرة على الفرح ليس ضعفًا، بل حالة إنسانية دقيقة تحتاج إلى فهم وتقدير لا إلى حكم. هو صمت داخلي، وارتباك في المشاعر، وتبلّد تجاه الأشياء التي كانت تُشعل القلب حماسًا.

في ظل الأزمات المتلاحقة التي تعيشها كثير من الشعوب، باتت هذه الحالة النفسية واقعًا يعيشه كثير من الشباب، ممن كانوا يومًا ما شعلة أمل، وصاروا اليوم يبحثون عن ملجأ داخلي يقيهم الألم، حتى لو كان في شكل تجنّب للسعادة نفسها.

يتطلب الأمر من المؤسسات التربوية، والمبادرات المجتمعية، بل وحتى الإعلام، أن تعيد رسم ملامح الأمل، وتفتح مساحات آمنة للتعبير، وتُشجّع على المصالحة مع الذات. فالأوطان لا تُبنى بالحجارة فقط، بل بقلوب قادرة على الفرح، وعقول مؤمنة بأن الغد قد يكون أجمل.

إن الشعور بالفرح ليس رفاهية، بل حاجة إنسانية. وحين يُصبح الجمال عبئًا، نعلم أننا بحاجة للعودة إلى أنفسنا، لترميم ما تهدّم، واستعادة ما فقدناه..
لا أحد يستحق أن يهرب من الفرح، حتى لو خذلته الحياة.