جمال العربية
بقلم: أبو زين ناصر الوليدي
كان في بيتنا صندوق من الحديد هو في الأصل صندوق ذخيرة متوسط الحجم ( شنطة حديد) كان هذا الصندوق ممتلئا بأعداد من مجلة العربي الكويتية إذ كان أبي يشتري بعضا من أعدادها بصورة غير منتظمة.
كانت تستهويني تلك المجلة بالرغم أني وأنا طالب في الثانوية لم أكن أقرأ كل موضوعاتها ولكن حتى رائحة ورقها كنت استنشقها بعمق كما تستنشق الأم عنق طفلها، فما أن يقذف أبي بالمجلة -- وهو أصلا لا يقرأ إلا القليل من موضوعاتها -- حتى ألتقطها كما يلتقط الفقير الجائع قطعة الخبز فيشم رائحتها قبل أن يضعها في فمه، فأنظر الفهرس والأبواب الثابتة وأقلبها بصورة سريعة ثم يكون أول موضوع أقرأه هو (جمال العربية) ثم أذهب إلى باب أدب وأقرأ قصة قصيرة عربية أو مترجمة، وأذهب بعدها إلى الاستطلاع وأتأمل الصور الناطقة في ذلك الاستطلاع وكأنها تتحدث أكثر من السطور. وأحيانا أقرأ حديث الشهر وقليلا ما أقرأ وجها لوجه.
كان ذلك في قرية نائية تربض بين الجبال وتجاور الوادي وفي بيت بسيط متواضع في حوشه شجرة المريمر التي ربما فرشت في ظلها بساطا كبيرا مصنوع من سعف النخل نسمية( سلقة) فأقرأ في ذلك الظل.
لا أدري لماذا استهوتني العربية أدبا وشعرا وتاريخا وأخبارا وحكايات حتى لكأن عشقها زرع في وجداني منذ تلك الطفولة البريئة فكنت مثل قيس حين عشق ابنة عمه فقال :
أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى
فصادف قلبا خاليا فتمكنا
فأصبحت ثقافتي وهواي ووجهتي (عربية)
عشقت ثقافتي العربية بكل تفاصيلها كما يعشق المتيم محبوبته بكل ملامح جمالها، يرى فيها آيات الجمال حتى في مشيتها وقعودها وقيامها بله ضحكتها وهمسها وقوامها وقسمات وجهها.
همت بقصص العرب وخرافاتهم وأساطيرهم وشعرهم ونثرهم وحكايات أعلامهم، ولأني ابن القرية وقد قضيت سنوات من عمري في رعي الغنم أيمم بها شعف الجبال وبطون الأودية والمنحدرات والشعاب، أرد الغدران والمياه وأقف على بقايا مساكن الأعراب الراحلين كما يقف الشعراء على الأطلال، فكان ذلك سببا في انصهاري في هذه الثقافة وانصهارها في وجداني.
إن لكل أمة هويتها ووعاءها المعرفي وعقلها التراكمي، ولها أعلامها وأمثالها وجغرافيتها المبثوثة في أعمالها الفكرية وتضاريسها المرسومة في أعمالها الأدبية، فلها وديانها وأشجارها وجبالها ومواسمها وأسواقها وأعيادها بل وحيواناتها وأنواع بيوتها وطريقة معيشتها ولها خرافاتها ودينها الباطل ودينها الحق ولها مؤثراتها التاريخية ونقلاتها العالمية كل ذلك مطلي بثقافتها التي يتشربها المرء من منازعها وينابيعها ومواردها.
ولهذا
من المهم جدا تعزيز الانتماء إلى ثقافتنا ووعينا العربي من خلال التربية والتعليم أو القراءة في الموارد العربية الدينية والأدبية والتاريخية
قراءة كتب الشعر والأدب وبعض كتب الدين وكتب التاريخ والأمثال والقصص والأعلام والطبقات حتى نتشرب ونتشبع بثقافتنا التي ننتمي إليها وتنتمي إلينا.
ليت أبناءنا يقرأون مثلا :
كتاب الكامل للمبرد وكتاب العقد الفريد لابن عبد ربه وكتاب البيان والتبيان للجاحظ وسماع وقراءة المعلقات العشر وكتاب مجمع الأمثال للميداني وكتاب الشعر والشعراء لابن قتيبة وطبقات فحول الشعراء لابن سلام وحماسة أبي تمام ويتيمة الدهر للثعالبي
وفي الطبقات
طبقات ابن سعد
وطبقات النحويين
وفي سير أعلام النبلاء.
وتاريخ الخلفاء للسيوطي
وكتاب جميل بعنوان (قصص العرب )
وغيرها مما لا أتذكرها الآن في هذه العجالة.
.