عدن.. من أول مدينة تُنيرها الكهرباء إلى أول مدينة تغرق في الظلام
في العام 1926، شهدت مدينة عدن حدثاً تاريخياً مهماً عندما أصبحت أول مدينة في شبه الجزيرة العربية تدشن خدمة الكهرباء. كانت تلك خطوة كبيرة نحو التحديث والنمو، وأصبحت الكهرباء رمزاً للتقدم والازدهار في المدينة الساحلية التي كانت آنذاك واحدة من أهم المدن في المنطقة.
واليوم، وبعد مرور مائة عام، نكتب التاريخ من زاوية أخرى، حيث تتحول عدن إلى أول مدينة تغرق في الظلام نتيجة انقطاع الكهرباء عنها بشكل كامل. هذا التحول المفاجئ والمأساوي لا يعكس فقط انهيار البنية التحتية، بل يعكس أيضاً التدهور الكبير في إدارة شؤون البلد التي أصبحت تتجه نحو التراجع في ظل قلة الإحساس بالمسؤولية من أولئك الذين يقودون الأمور.
إنه لمن المؤسف أن نرى هذا التحول الحزين، عدن التي كانت منارة للأمل والنمو في المنطقة، تجد نفسها اليوم غارقة في الظلام بسبب الفشل في إدارة مواردها الأساسية. كان الجميع يتطلع إلى أن هذه المدينة العريقة ستظل رمزًا للاستقرار والتقدم، لكن للأسف تحولت إلى مدينة تتخبط في أزمات تلو الأزمات، وأصبح المواطنون في حالة انتظار دائم لعودتها إلى سابق عهدها. ما كان حلمًا في الماضي أصبح حقيقة مؤلمة في الحاضر، وها هي المدينة تتجه نحو الظلام الكامل.
والغريب أن هذا الظلام الذي يغطي عدن لا يقتصر فقط عليها، بل تمددت أصداؤه إلى مديريات المنطقة الوسطى بمحافظة أبين المجاورة التي هي الأخرى تعيش في ظلام دامس. حيث يعاني أهالي أبين من الانقطاعات المستمرة للكهرباء التي وصلت إلى مستويات كارثية، ما أدى إلى تعطيل حياتهم اليومية. المؤسسات الصحية والخدمية أضحت عاجزة عن أداء مهامها بسبب انقطاع التيار الكهربائي، في وقت كان فيه أهل أبين يعولون على الكهرباء في تحسين ظروف حياتهم. هذا الوضع يكشف عن خلل إداري كبير في تسيير شؤون الكهرباء ويزيد من معاناة المواطنين الذين يواجهون الأزمات بكل صبر.
لا نعلم من المسؤول عن هذا الوضع الكارثي، ولا كيف يمكن أن يكون لدينا حكام يتحملون هذه المسؤولية ويعيشون في الخارج دون أن يبالي أحدهم بحال الشعب الذي لا يجد حتى الضوء في بيته. هؤلاء الحكام لا يمكن وصفهم إلا بأنهم "لصوص" لا يهتمون إلا بمصالحهم الشخصية، غير مكترثين لمعاناة الناس التي تزداد يوماً بعد يوم.
ومع ذلك، نحن على يقين أن هناك رباً عظيماً يراقب كل شيء. فهو يمهل ولا يهمل، وسترون كيف سيحاسب هؤلاء الذين ضيعوا آمال الناس في عيش حياة كريمة. ربما يتأخر الحساب، لكن لا بد من يومٍ يأتي فيه الحق. سنظل نتطلع إلى اليوم الذي يعود فيه النور إلى عدن وأبين والمحافظات المجاورة، وتستعيد المدن رونقهما السابق، ويعيش أبناءهما في ظل الأمن والازدهار، بعيدًا عن الوعود الفارغة والممارسات التي لا تسمن ولا تغني من جوع.
5 فبراير 2025م