محاصرة الشراكة مع منظمات المجتمع المدني.. خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية في محافظة عدن نموذجًا

مقدمة

تُعد الشراكة بين منظمات المجتمع المدني والسلطة المحلية والحكومة ركيزة أساسية في تحقيق التنمية المستدامة. ومع ذلك، لا تزال هذه الشراكة تعاني من غياب التطبيق الفعلي على أرض الواقع، رغم الاعتراف الرسمي بها. ففي حين تتبنى الخطابات السياسية أهمية التعاون مع منظمات المجتمع المدني، فإن تنفيذ هذه الشراكة يواجه عراقيل عدة، أبرزها محدودية التمثيل الفعلي وغياب منهجية تشاركية حقيقية.

تُظهر تجربة محافظة عدن في إعداد خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية 2025-2029م مثالًا واضحًا على هذه الإشكالية، حيث تم استبعاد معظم منظمات المجتمع المدني من عمليات التخطيط، وتمثيلها كان رمزيًا فقط. يعكس ذلك تناقضًا بين الالتزامات المعلنة والممارسات الفعلية، مما يثير تساؤلات حول مدى جدية الحكومة والسلطة المحلية في إشراك هذه المنظمات كشريك حقيقي في صنع القرار التنموي.

بين الاعتراف النظري والواقع العملي

لم تشهد الشراكة بين منظمات المجتمع المدني والسلطة المحلية أي تجربة ناجحة مكتملة، إذ ظلت الجهود المبذولة في هذا الإطار محدودة ومتعثرة، حتى مع ظهور بعض المحاولات الجزئية. على الرغم من أن الحكومة أعلنت التزامها بهذه الشراكة في مؤتمر أصدقاء اليمن بالرياض عام 2012، وتمخض ذلك عن صياغة وثيقة شراكة رسمية مع منظمات المجتمع المدني، إلا أن التنفيذ ظل قاصرًا.

تُعد هذه الوثيقة خطوة تاريخية نحو تعزيز الشفافية والمساءلة، وتمكين منظمات المجتمع المدني من المشاركة بفعالية في التنمية. ومع ذلك، فإن ما يحدث على أرض الواقع لا يعكس هذا الالتزام، بل يُظهر قيودًا متزايدة تحد من قدرة هذه المنظمات على التأثير الفعلي في التخطيط وصنع القرار.

غياب النهج التشاركي في خطة عدن التنموية

تُعد خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية لمحافظة عدن نموذجًا واضحًا للممارسات الإقصائية، حيث تم تشكيل لجنتين، إشرافية وفنية، لمتابعة إعداد الخطة، لكن تمثيل منظمات المجتمع المدني اقتصر على مؤسسة واحدة في كل لجنة. يعكس هذا التمثيل المحدود غياب المنهجية التشاركية في إعداد الخطة، وكأنها تُصاغ بين مجموعة من الخبراء دون إشراك الأطراف الفاعلة في المجتمع المحلي.

إن تجاهل دور منظمات المجتمع المدني في تحديد القضايا العامة، ورصد احتياجات المجتمعات المحلية، ووضع معايير للنزاهة والشفافية، يؤدي إلى تقويض الثقة بين المواطنين والسلطة المحلية. الشراكة الحقيقية لا تعني فقط الاستماع إلى آراء هذه المنظمات، بل تتطلب تمكينها من المشاركة الفعالة في جميع مراحل التخطيط والتنفيذ والتقييم.

أهمية الدور المجتمعي في التنمية

تلعب منظمات المجتمع المدني دورًا حيويًا في تنظيم المشاركة المجتمعية، والمساهمة في تحديد المشكلات التنموية ووضع الحلول المناسبة لها. كما تُعد حلقة وصل بين المواطنين والسلطة المحلية، مما يسهم في تعزيز الثقة بالحكومة وتوجيه الجهود نحو تحقيق تنمية مستدامة تلبي الاحتياجات الفعلية للمجتمع.

علاوة على ذلك، تتمتع العديد من هذه المنظمات بإمكانات وموارد تمكنها من تقديم خدمات في مجالات عدة، مثل التعليم، الصحة، التنمية الاقتصادية، وحقوق الإنسان. ورغم ذلك، فإن السلطة المحلية في عدن لا تزال تفرض قيودًا تحد من مساهمة هذه المنظمات، مما يعرقل جهود التنمية ويجعلها أقل فاعلية.

التوصيات: نحو شراكة أكثر فاعلية

لضمان نجاح خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية في محافظة عدن، ينبغي اتخاذ الخطوات التالية:

1.توسيع مشاركة منظمات المجتمع المدني في لجان إعداد الخطة، لضمان تمثيل حقيقي لكافة الفئات المعنية.

2.تعزيز الشفافية والمساءلة عبر نشر المعلومات المتعلقة بالخطة، وإشراك المواطنين في تقييم الأداء التنموي.

3.إرساء منهجية تشاركية مستدامة، بحيث لا تقتصر المشاركة على الاجتماعات الشكلية، بل تمتد إلى جميع مراحل التخطيط والتنفيذ والتقييم.

4.دعم استقلالية منظمات المجتمع المدني، وتمكينها من العمل بحرية دون تدخلات تحد من دورها في التنمية.

5.الاستفادة من إمكانات المجتمع المحلي من خلال إشراك الفئات الشبابية والنسائية، بما يضمن استجابة أوسع لاحتياجات المجتمع.

خاتمة

إن وضع خطة تنموية مستدامة لا يمكن أن يتحقق دون شراكة حقيقية مع منظمات المجتمع المدني. فالشراكة ليست مجرد التزام سياسي أو إجراء شكلي، بل هي ضرورة تفرضها متطلبات التنمية المستدامة. لذا، على السلطة المحلية في عدن أن تعيد النظر في علاقتها مع هذه المنظمات، وأن تزيل القيود التي تحد من دورها، لضمان تحقيق تنمية أكثر عدالة وفاعلية.