الإسلام دين العزة

جاء رجل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: "يا رسول الله، أرأيت إن جاءني رجل يريد أخذ مالي، ماذا أفعل؟" قال: "قاتله." قال: "أرأيت إن قتلني؟" قال: "فأنت شهيد." قال: "أرأيت إن قتلته؟" قال: "هو في النار."

لو جاء اليوم رجل إلى شيخ من هؤلاء وقال له نفس المقالة، لقال له الشيخ: "وماذا تساوي الفلوس عند روحك؟
 يا بني، إنه عرض زائل، لا تضيع نفسك من أجل مال زائل. 
نحن من نجيب الفلوس، فلا تضيع نفسك من أجل شوية فلوس. ما عليك، اصبر وربنا سيعوضك. 
اعلم أن الله سيعوضك عن كل مالك الذي أخذ منك، وعند الله تجتمع الخصوم وسيأخذ لك حقك منه يوم القيامة."

هذا الخطاب الخانع الذليل لا أثر له في دين الله أبداً. 
هو خطاب مهزوم مأزوم لا يليق بالمسلم الحر أبداً ولا يقره الإسلام. وحكاية "ما في شيء يضيع عند ربنا" فبركناها نحن لكي نعيش تحت حكم الطغيان جيل بعد جيل. 
الرسول صلى الله عليه وسلم يعلمنا دروساً في العزة ونفض غبار الذل عن كاهلنا. فقال للرجل: "لا تعطه مالك." قال: "أرأيت إن قاتلني؟" قال: "قاتله." قال: "أرأيت إن قتلني؟" قال: "فأنت شهيد." قال: "أرأيت إن قتلته؟" قال: "هو في النار."

هكذا هو الإسلام، يستخلق في المسلم معنى العزة ويرفض النفوس الكسيرة. يعلم المسلم أن لا تمس كرامته ولو دفع روحه ثمناً لعزته وكرامته. 

يعلمنا رسولنا الكريم كيف نقف مواقف الرجال ولا نقبل الضيم ولو على غيرنا. 
فقال: "لا يقف أحدكم موقفاً يُضرب فيه رجل ظلماً، فإن اللعنة تنزل على من حضره ولم يدفع عنه." هذه رسالة الإسلام إلى الناس كي لا تقبل الظلم ولو على غيرك، وتآثم إن لم تدفع الظلم عن المظلوم إن حضرته. فالمؤمن لا يترك ظالماً يضرب مظلوماً أمامه ولا يدفع عنه.

والقرآن الكريم يعلمنا كيف ندفع الظلم بشجاعة ولا نخشى العواقب. انظر إلى هذا الخطاب الرباني في سورة يس: "وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ" (يس: 13-14). لكن أهل القرية رفضوا تصديق الرسل وكذبوهم، فجاء رجل وقال: "يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ" (يس: 20). فقام له أهل القرية وقتلوه لأنه صدق بالرسل ولم يكتفِ بالتصديق بل دعا قومه لاتباع الرسل، فثار غضبهم وقتلوه. لم يقل: "وأنا مالي، ما اقتنعوا برسل الله فكيف يقتنعون بقولي؟" لا، بل قالها بملء الفم ليقيم عليهم الحجة، ولو ذهبت روحه فهو شهيد عند الله، وكانت خاتمته الجنة لأنه لم يكن ذليلاً بل كان عزيزاً. فقال: "يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ" (يس: 26-27).

لو أن الأمة تربت على فهم أن كرامتها بأيديها، ما فعل فيها الطغاة ما يفعلون اليوم.