بهجة الروح في أيام العيد
في زحمة الأعياد وتفاصيلها، يتوه كثيرون عن المعنى الحقيقي للفرح. يظنون أن العيد هو الثوب الجديد، أو مائدة الطعام المزينة، أو لقطات الهاتف المحمول المتبادلة على عجل. لكن العيد في حقيقته لحظة روحية، ومناسبة لتجديد العهد مع الله، ومع النفس، ومع الأحبة، ومع المجتمع.
في هذا الموسم المبارك، وتحديدا في عيد الأضحى وأيام التشريق التي تليه، يقف المؤمن بين مشاعر متعددة: الفرح، الشكر، الذكر، الرحمة، والمغفرة. فما حال المؤمن الحقيقي في هذه الأيام؟ وما الذي ينبغي أن يفعله أو يتركه؟
الفرح الحقيقي ليس في الدنيا؛ بل بالله. يقول تعالى: ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا﴾.
فالعيد فرصة لمناجاة الخالق، لتكبيره في كل حين: "الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد".
هي أيام شكر لله على الهداية، كما قال تعالى: ﴿وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ﴾؛ لكن كم من الناس نسوا الله في زحمة العيد؟ كم من صلوات أُخرت أو أُهملت، وكم من لهو طغى على الذكر؟
في العيد، العبد الصادق لا ينسى ربه وسط الزينة؛ بل يزداد له شوقا وشكرا.
الإنسان بحاجة إلى لحظات يرتاح فيها من مشقة الحياة. والعيد شرّع ليكون فسحة للفرح المشروع، ولتجديد الطاقة الروحية والنفسية. قال ابن القيم رحمه الله: "الفرح بالطاعة هو أصل سعادة العبد".
لكن لنحذر أن يتحول العيد إلى مناسبة للغفلة، أو أن يُستغل للهروب من القيم؛ فالفرح في العيد ليس ترفا؛بل عبادة، متى ما كانت بهوية مؤمنة.
في زمن استهلاكي جارف، صار البعض يظن أن العيد هو ما يُشترى، لا ما يُشعر. بينما يقول النبي ﷺ: «خيركم خيركم لأهله»؛ فالمؤمن في العيد يُظهر الرحمة لأطفاله، ويُسعد زوجته، ويُكرم والديه. قد لا يملك مالا كثيرا، لكن يملك قلبا كريما، وابتسامة دافئة، ويدا حانية. هنا فقط يكون العيد عيدا.
في مجتمع تنهشه القطيعة وتُفتته الخصومات، يأتي العيد كفرصة ذهبية لإصلاح ما فسد. قال ﷺ: «ليس الواصل بالمكافئ؛ ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها». فما أجمل أن يبدأ أحدنا عيده بمكالمة هاتفية يصالح فيها من خاصمه، أو زيارة قصيرة تذيب جليد البعد. ولذلك قال الإمام أحمد: "لا يكون العيد عيدا حتى تُصالح من هجرت، وتزور من قطعت".
في العيد الناس ينتظرون الكلمة الطيبة، ووجها بشوشا، وسلاما يطمئن القلب. قال ﷺ: «تبسمك في وجه أخيك صدقة». ويقول أيضا: «أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله»؛ أي أن العيد اجتماع على الخير، لا مجرد طقوس. فلنملأ الشوارع بالسلام، ولننشر البهجة، لا الضوضاء؛ السكينة، لا الفوضى.
أخيرا؛ العيد ليس لحظة مؤقتة من الزينة، بل هو حالة من الصفاء تعكس نور الإيمان في القلوب. هو امتحان للنفوس؛ من يفرح بالله ويشكر، أم من ينغمس في المظاهر وينسى؟ فلتكن أيام العيد فرصة نعيد فيها ترتيب علاقتنا؛ مع الله، ومع النفس، ومع الأهل، ومع الأقارب، ومع الناس جميعا.
وحينها فقط؛ نفرح بحق!
وتقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال!
وكل عام وأنتم بصحة وعافية!
ودمتم سالمين!