حروب الآباء .. بين لقمة العيش وصرخات الغلاء !  

في معركة الحياة اليومية، يقف الآباء كالصخور الصامدة في وجه أمواج الغلاء العاتية، يصارعون من أجل البقاء في واقع اقتصادي متوحش، ينهش بأنيابه قوت يومهم، ويزيد من أوزارهم أعباء تتراكم بلا رحمة، بين لقمة العيش الشحيحة، ومصاريف شهر رمضان المبارك التي تثقل كواهلهم، وكسوة العيد التي باتت حلمًا بعيد المنال، يخوض الآباء حربًا لا هوادة فيها، يتحدّون المستحيل، ويقاومون السقوط في دوامة العجز، رغم انعدام الرواتب، وشحّ الأشغال، وتوحش الأسعار الذي لا يعرف حدودًا .  

  
في كل بيت، هناك أبٌ يبيت ليله مهمومًا، متقلبًا بين حسابات الأرقام التي لا تتوازن، وبين نظرات أطفاله التي تستجديه تحقيق أبسط أمانيهم ؛ كيف لا، وهو يرى الأسواق تلتهب، والسلع تحلّق في فضاء لا يمكن للراتب المفقود أو الدخل المعدوم اللحاق به؟ كيف له أن يواجه شهرًا يتطلب مصاريف مضاعفة لإعداد موائد الإفطار والسحور، بينما جيبه لا يحمل سوى بقايا نقود بالكاد تكفي لسد رمق أيام قليلة؟. 

إنه صراعٌ لا يدرك حقيقته إلا من ذاق مرارة الفقر في زمن الغلاء، من وقف في طوابير انتظار الأمل، ومن استدان من هنا وهناك ليكمل شهورًا باتت عبئًا على كاهله، ومع اقتراب العيد، تتضاعف الأوجاع، إذ يجد الأب نفسه أمام تحدٍّ جديد: كيف يُسعد أطفاله وهم يحلمون بملابس جديدة، وحلوى العيد، ولحظات فرح لا يريد أن يحرمهم منها ؟ .
 
الأسواق مشتعلة، الأسعار تتصاعد بلا سقف، والرواتب، إن وُجدت ، تذوب قبل أن تصل إلى أيدي أصحابها؛ الأزمات الاقتصادية المتلاحقة لم تترك مجالًا للحياة أن تسير بوتيرة طبيعية، فالتاجر يعلو بأسعاره بحجة الدولار، والمستهلك المسكين لا يملك خيارًا سوى أن يرضخ أو يخرج من السوق خالي الوفاض.  

لقد باتت الأسر اليوم تعيش على هامش الحياة، تترقب الفرج الذي طال انتظاره، في ظل واقع اقتصادي متردٍّ يفرض عليها التقشف القاسي، بل ويدفعها نحو خيارات لم تكن في حسبانها يومًا، من الاستدانة المستمرة إلى بيع الممتلكات البسيطة، وصولًا إلى الوقوف في طوابير المساعدات التي أصبحت شريان حياة للكثيرين.  
 
السؤال الذي يطرحه الجميع اليوم: إلى متى؟ إلى متى يظل المواطن أسير هذه الدوامة التي لا نهاية لها؟ متى يخرج الآباء من هذا الكابوس الذي جعل حياتهم ضنكًا دائمًا لا يُحتمل؟ متى يجدون متنفسًا يعيد إليهم القدرة على العيش بكرامة ؟ . 

إن الأوضاع الحالية تفرض على الجميع إعادة النظر في الحلول الممكنة، فالحكومات مطالبة باتخاذ تدابير جادة لكبح جماح الغلاء، وتوفير فرص عمل تحيي الأمل في قلوب العاطلين، وصون كرامة المواطنين من ذل السؤال والحاجة، والتخفيف من معاناة الأسر التي لم تعد تقوى على مجابهة الأعباء المتزايدة.  
 
وسط كل هذه العواصف، يبقى الآباء أبطالًا في معركة الحياة، يسيرون على جمر الحاجة، لكنهم لا يرضخون، يواصلون الليل بالنهار بحثًا عن لقمة تقي أبناءهم الجوع، وعن لحظة فرح تضيء عيونهم البريئة، حتى ولو كان الثمن معاناة لا تنتهي ؛ إنها حربهم ، التي يخوضونها بصمت، لكن صرخاتها تتردد في كل بيت، في كل شارع، في كل سوق ،فهل من مجيب؟.