نقل البنوك إلى عدن.. فرصة حاسمة لا يجب إضاعتها

قد يبدو قرار نقل البنوك من صنعاء إلى عدن للبعض خطوة تراجعية من قبل مليشيا الحوثي خاصة بعد تصنيفها كمنظمة إرهابية من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، فالبعض يرى أن الحوثيين يحاولون تفادي الضربات الجوية والضغوط الاقتصادية عبر تقديم هذه التنازلات المؤقتة في محاولة منهم لحماية المؤسسات المصرفية الواقعة تحت سيطرتهم من العقوبات الأمريكية وقد يفسر آخرون هذه الخطوة على أنها مناورة سياسية تهدف إلى كسب الوقت وفتح قنوات تفاوض جديدة عبر مسارات مثل "عملية السلام" التي لم تحقق أي تقدم ملموس منذ اتفاقية ستوكهولم، التي ساعدت الحوثيين في الحصول على أسلحة نوعية مكّنتهم من توسيع نفوذهم العسكري حتى أصبحت بعض المناطق بما فيها البحر الأحمر، مسرحا للتهديد الارهابي الدائم.

و بغض النظر عن النوايا التي قد تقف خلف هذه الخطوة، فإن قرار النقل في حال تم تطبيقه بشكل كامل وبدون تدخلات تعطل مساره، فإنه يعد تحولًا اقتصاديًا وسياسيًا بالغ الأهمية، بل انه أكثر أهمية مما قد يبدو للبعض من عدة نواحي، لذلك ينبغي ان تنقل البنوك على وجه السرعة.  
فمن الناحية المالية، فإن توحيد النظام المصرفي تحت إدارة البنك المركزي في عدن سيسهم في تقليل الانقسام النقدي الذي تعاني منه البلاد منذ الانقلاب الحوثي كما أنه سوف يعيد ضبط الدورة النقدية مما يعزز الرقابة والتنظيم ويساعد في تقليل المضاربة على العملة التي كانت أحد الأسباب الرئيسية لانهيار قيمة الريال اليمني خلال السنوات الماضية.

أحد أهم المكاسب المتوقعة لهذا القرار هو تعزيز العلاقات المالية مع المؤسسات الدولية. فبعد خروج البنوك من تحت سيطرة الحوثيين سوف تتمكن الحكومة من استعادة قنوات التعامل الرسمية مع صندوق النقد والبنك الدولي، وكذلك مع المانحين الدوليين و هذه العلاقات بدون شك ضرورية لإعادة تدفق التحويلات والاستثمارات التي يمكن أن تكون نقطة انطلاق لإنعاش الاقتصاد اليمني بعد سنوات من التدهور.

أما على الصعيد السياسي، فإن القرار يشكل ضربة قاسية للحوثيين الذين كانوا يعتمدون على القطاع المصرفي كأحد أهم مصادر تمويلهم فقد كان وجود البنوك تحت سيطرتهم يمنحهم القدرة على التحكم في تحويلات المغتربين وفرض الجبايات وإدارة شبكة مالية تساعدهم في استمرار الحرب ولذلك فان نقل البنوك إلى عدن سوف يضعف هذه السيطرة ويحد من قدرتهم على استخدام الاقتصاد كأداة ضغط سياسي وبالمقابل، فإن هذه الخطوة سوف تمنح الحكومة الفرصة لاستعادة نفوذها الاقتصادي الامر الذي سوف يعزز موقفها في أي مفاوضات مستقبلية، يصبح فيها هذا القرار نقطة تحول فارقة في مسار الصراع لأن  الحوثيين سوف يكونوا قد فقدوا واحدة من أقوى أدواتهم الاقتصادية التي استخدموها لتعزيز موقفهم السياسي سابقا.

رغم كل هذه الإيجابيات المذكورة الا انني اعتقد بأن القرار  سوف يواجه تحديات ليست بسيطة لان عملية نقل الأصول والعمليات المصرفية من صنعاء إلى عدن ليست مجرد إجراء إداري، بل هي عملية معقدة قد تواجه صعوبات أمنية ولوجستية كبيرة. فعدن نفسها تعاني من مشاكل أمنية وإذا لم يتم تأمين بيئة مستقرة فقد تتردد بعض البنوك في الانتقال الفعلي أو قد تواجه صعوبات تشغيلية تؤثر على أعمالها. إضافة إلى ذلك، فإن رد الفعل الحوثي قد يكون تصعيديًا، يسعون من خلاله إلى فرض مزيد من القيود المالية على البنوك المتبقية في مناطق سيطرتهم أو حتى تجميد أصولها كإجراء انتقامي مما قد يؤدي إلى تفاقم الأوضاع الاقتصادية والمعيشية للمواطنين الذين يعتمدون على الخدمات المصرفية في تلك المناطق.

بالرغم من هذه العقبات المحتملة فإن قرار نقل البنوك إلى عدن يظل خطوة ضرورية وإن جاءت متأخرة، فالتحديات التي تواجهها هذه الخطوة يجب ألا تكون سببًا لإيقافها بل يجب أن تدفع جميع الأطراف إلى العمل على إنجاحها من خلال توفير بيئة آمنة ووضع خطط واضحة لإدارة المرحلة الانتقالية، وضمان عدم وقوع النظام المصرفي تحت تأثير أي تجاذبات سياسية قد تعطل مسار الإصلاح المالي، فنجاح هذا القرار قد يكون البداية الحقيقية لإنهاء الانقسام المصرفي، وإعادة بناء الثقة في الاقتصاد الوطني، وهو ما يتطلب تعاونًا جادًا من الجميع ومتابعة دقيقة لضمان تنفيذ الخطوات المترتبة عليه بشكل فعّال ومستدام.