صناعة السعادة في القلوب ..!!
رغم أن صناعة السعادة في قلوب الآخرين ليس بالأمر الصعب بل إنه من أسهل وأيسر الأعمال إلا أن القليل من البشر من يقومون بذلك ، ورغم الكثير من التشريعات السماوية التي تجعل من صناعة السعادة والفرح في قلوب الآخرين من أعظم وأفضل الأعمال ، إلا أن القليل من أتباع الأديان السماوية من يقوم بذلك ، بينما العديد منهم لا يهتمون لذلك ، بل إن الكثير من المتشددين والمتطرفين من أتباع الأديان ينظرون نظرة سلبية وعدائية لكل ما يدخل السعادة والفرح لقلوب الناس ، فتراهم تارةً يدخلونه في دائرة التحربم وتارةً في دائرة الكراهية ، وترى الكثير من دعواتهم وأقوالهم تشجع على العنف والكراهية ومصادرة حقوق وحريات الآخرين ، والتي جميعها لا تصنع سوى الأحزان والألام والمآسي في قلوب البشر ، رغم أن الغاية النهائية لكل الأديان السماوية هي صلاح وسعادة البشرية ، كل ذلك بسبب الأطماع والصراعات السلطوية ، التي جعلت من التشريعات الدينية أداة من ادوات السياسة ، وبدون شك بأن الصراع المستمر على السلطة في كل زمان ومكان هو السبب الأول والرئيسي في صناعة المآسي والألام والأحزان في قلوب البشر ..!!
ففي سبيل الوصول إلى السلطة أو في سبيل الدفاع عنها يباح سفك الدماء ويباح النهب والسلب وانتهاك حقوق وحريات الآخرين ، دون اعتبار لحجم المآسي والأحزان والألام المترتبة على ذلك ، بل إن القائمين على تلك السلطات والمستفيدين منها يرون في ذلك انتصار وفخر لهم ، نعم هكذا أصبح حال البشر نتيجة الأطماع السلطوية ، وللأسف الكثير جدا من الحروب والصراعات بكل أشكالها ليست أكثر من صراعات وحروب سلطوية ، وحشر الدين في العديد منها ليس أكثر من تغطية على بشاعة نتائجها ، وليس أكثر من محاولة لإعطائها بعض المشروعية ، وليس أكثر من وسيلة لحشد الكثير من المحاربين ، فالحروب والصراعات بشكل عام هي المصدر الذي يحرم المجتمعات البشرية من السعادة والفرح والتعايش السلمي في كل زمان ومكان ، ففي ظل الحروب والصراعات تتلاشى كل صور السعادة والفرح بين أفراد المجتمعات المتصارعة ، وتصبح الألام والأحزان والمآسي والمصائب والأوجاع هي سيدة الموقف وهي الحاضرة والمهيمنة على حياة الناس ، فالحروب والصراعات لم ولن تكون يوما مصدرا لصناعة السعادة والفرح في قلوب البشر ..!!
وكل ذلك هو بسبب الفهم الخاطئ للكثير من معاني التشريعات الدينية العظيمة ، فهذا رسول الإسلام عليه الصلاة والسلام وهو يدعوا إلى صناعة السعادة في قلوب البشر ، يجعل من ابتسامة الإنسان في وجه أخيه صدقة وعمل عظيم ، فكيف ببقية الأعمال الكفيلة بصناعة المزيد من السعادة والفرح في قلوب الآخرين ، فكيف بمساعدة المحتاجين ، ورفع الظلم عن المظلومين ، ومنح الناس حقوقهم وحرياتهم ...الخ ، ورغم ذلك هناك من المتشددين والمتطرفين والمحسوبين على دين الإسلام من لا يعطون هذا المجال أدنى اهتمام ، فتراهم دائما متجهمين وغاضبين وينظرون للآخرين نظرة مشحونة بالغضب والكراهية والغلظة والقسوة ، وهم بتلك التصرفات والسلوكيات عاجزين عن صناعة السعادة حتى لأنفسهم ولأقرب الناس لهم ، وهم بذلك أعجز عن صناعة السعادة في قلوب الآخرين ، وهم أعجز عن تطبيق التشريعات الدينية على وجهها الصحيح ، فرب ابتسامة أو كلمة طيبة أو عمل معروف يصنع في قلوب الآخرين السعادة والفرح والاطمئنان أفضل من ألف ركعة وركعة ، قال تعالى (( لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس )) ..!!
فالأعمال عند الله تعالى تقاس بخواتيمها ونتائجها ، وأفضل الأعمال وأعظمها هي تلك الأعمال الصالحة والإيجابية والمثالية القادرة على صناعة المزيد من السعادة والفرح في قلوب البشر ، ومن لا يمتلك القدرة على صناعة المزيد من السعادة والفرح والرحمة والتراحم في قلوب أهله وأفراد مجتمعه فعليه أن يراجع دينه ، فالغاية النهائية من الرسالة المحمدية هي الرحمة بالإنسانية ، قال تعالى (( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين )) ، والرحمة هي الطريق المثالية لصناعة المزيد من السعادة والفرح في قلوب البشر ، فعن أي دين يتحدث من لا يمتلك في قلبه ذرة رحمة ، من يبيح سفك الدماء وهتك الأعراض ونهب الأموال والممتلكات ومصادرة الحقوق والحريات ، وعن أي دين يتحدث من لا يمتلك القدرة على صناعة السعادة والفرح في قلوب الآخرين ، كما أن الأعمال الإيجابية قد تذهب هباءا إذا تبعها شيء من المن والأذى ، لأن المن والأذى لا يسلب السعادة والفرح من قلوب الآخرين فقط بل يؤذيهم ويصنع في قلوبهم الحزن والألم ، وبذلك فإن أي عمل لا يدخل السعادة والفرح إلى قلوب الآخرين ليس عمل ايجابي ومثالي ، فإيجابية وعظمة العمل تتوقف على حجم السعادة والفرح التي يصنعها في قلوب الآخرين ..!!