زكاة الفطر بين النصوص وفقه الواقع: هل تجوز نقدا؟
مع اقتراب عيد الفطر المبارك، يتجدد الجدل حول كيفية إخراج زكاة الفطر: هل تقتصر على الطعام فقط كما جاء في ظاهر النصوص، أم يجوز إخراجها نقدا تحقيقا لمصلحة الفقير؟ وبين التمسك الحرفي بالنصوص والاجتهاد الفقهي في تحقيق المقاصد، يبقى السؤال: كيف نوازن بين النصوص الشرعية ومتغيرات الواقع؟
اتفق العلماء على أن النبي ﷺ فرض زكاة الفطر صاعا من طعام، كما جاء في حديث ابن عمر رضي الله عنه:
"فرض رسول الله ﷺ زكاة الفطر صاعا من تمر، أو صاعًا من شعير" (البخاري: 1503، مسلم: 984).
والحكمة من فرضها طعاما في ذلك الزمن واضحة؛ إذ كان الطعام هو العملة المتداولة بين الناس، وهو ما يسد حاجة الفقراء فورا.
رغم هذا التوجيه النبوي، فقد ظهر اجتهاد بعض الصحابة والتابعين في جواز إخراجها نقدا في بعض الحالات، مراعاةً لحال الفقراء. ومن ذلك:
- معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه قدرها بنصف درهم نقدا، مما يدل على اجتهاده في تحقيق المصلحة.
- الحسن البصري وسفيان الثوري أجازا إخراجها نقدا عند الحاجة.
- عمر بن عبد العزيز رأى أن النقد قد يكون أنفع للفقراء.
- وابن عمر رضي الله عنه رغم أنه راوي الحديث، إلا أن بعض الآثار أشارت إلى أنه أجاز القيمة عند الحاجة.
ولم يقتصر الأمر على الصحابة، بل وجدنا فقهاء من المذاهب الأربعة يقرون بجواز القيمة في بعض الحالات، ومنهم ابن تيمية، ابن القيم، النووي، الماوردي، القرافي، وابن رشد الجد.
في القضايا التي لم يُحسم فيها الحكم الشرعي بقطع؛ فإن لولي الأمر دورا في ترجيح أحد الأقوال تحقيقا للمصلحة العامة؛ لقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ (النساء: 59).
وقد قرر العلماء قاعدة: "حكم الحاكم يرفع الخلاف"، وهذا يشمل القضايا التي تختلف فيها آراء الفقهاء، ومنها مسألة إخراج زكاة الفطر نقدا إذا رأى ولي الأمر أن ذلك أنفع للفقراء.
ومن الأخطاء الشائعة أن بعض الناس يتشددون في طاعة ولي الأمر في بعض المسائل، ثم يعارضونه في أخرى تبعا لأهوائهم. والنبي ﷺ حذر من الاختلاف المؤدي إلى الفتنة، فقال:
"لا تختلفوا، فإن من كان قبلكم اختلفوا فهلكوا" (متفق عليه).
ولذلك فإن من الحكمة الالتزام بما تقره الجهات الشرعية المعتبرة، وعدم إثارة الفوضى في الأمور الاجتهادية.
والمنهج الصحيح في التعامل مع الخلاف الفقهي هو:
- في المسائل الاجتهادية، لا يجوز الإنكار على المخالف إذا كان له سلف من العلماء.
- وإذا تبنى ولي الأمر رأيا فقهيا معينا، وجب اتباعه منعا للفوضى.
- توعية الناس بأحكام زكاة الفطر، دون إثارة البلبلة في القضايا المختلف فيها.
ختاما: زكاة الفطر فريضة عظيمة، والمهم هو تحقيق مقصدها الأساسي وهو إغناء الفقراء يوم العيد؛ سواء بالطعام أو بالنقد وفق ما تقتضيه المصلحة. وطاعة ولي الأمر في المسائل الاجتهادية تساهم في وحدة الأمة، ومنع الفوضى، وتحقيق الخير العام. فلنحرص على تقديم روح الإسلام في عباداتنا، حيث المقاصد مقدمة على الصور، والاتفاق أولى من النزاع، والاتباع أحق من الابتداع!
والله تعالى أعلم.
ودمتم سالمين.