هل أحدث شهر رمضان فيك تغييرا؟
مع غروب شمس آخر يوم من رمضان، يحضر أمامنا سؤال مهم: هل ترك هذا الشهر الفضيل أثرا حقيقيا في حياتنا؟ هل غيرنا رمضان إلى الأفضل، أم أن الأيام العادية قد عادت لتغلق أمامنا أبواب التغيير؟ رمضان ليس مجرد عبادة وصيام؛ بل هو مدرسة كبيرة للتغيير والإصلاح.
شهر رمضان هو محطة تربوية عظيمة، حيث يقدم للمسلم فرصة نادرة لإعادة تأهيل النفس والارتقاء بها. يقول تعالى في القرآن الكريم: ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ (البقرة: 183)، أي أن الهدف من الصيام هو أن نكتسب التقوى، وهذه هي ثمرة الصيام الكبرى. ولقد علمنا النبي ﷺ أن الصيام ليس مجرد ترك الطعام والشراب؛ بل هو أداة لتطوير النفس والتخلص من العيوب. فقد قال ﷺ: «من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه» (البخاري)، مما يؤكد على أن الصيام يجب أن يشمل تطهير النفس من المعاصي والكلام الفاحش.
أما بالنسبة للتدريب على الإرادة والعزيمة؛ فإن الصيام يعلمنا كيف نضبط شهواتنا ونعمل على تحسين أخلاقنا. كان السلف الصالح يقولون: "أفضل الجهاد جهاد النفس"، في تأكيد على أهمية تقوية الإرادة في مواجهة النفس الأمارة بالسوء.
ومن جانب آخر، كان قيام الليل في رمضان بالنسبة للمؤمنين تدريبا عمليا على الاستمرار في الطاعة، حيث قال ﷺ: «أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل» (مسلم)، فهل حافظنا على صلاة الفجر والتهجد بعد رمضان؟
إذا كانت الفترة التي قضيناها في رمضان قد منحتنا فرصة عظيمة للتغيير، فإن الأيام التي تلي رمضان تمثل اختبارا حقيقياًد لما إذا كنا قد استفدنا من هذه الفرصة أم لا.
أولا، اختبار الاستمرار على الطاعة: هل استمرينا في قراءة القرآن كما كنا في رمضان؟ وهل حافظنا على صدقة الفطر التي أخرجناها في رمضان أم أنها كانت مجرد عمل مؤقت؟ الصدقة لا ينبغي أن تقتصر على شهر رمضان، بل يجب أن تكون جزءا من حياتنا اليومية.
ثانيا، اختبار الأخلاق والسلوكيات: رمضان كان بمثابة مدرسة لتطوير أخلاقنا. قال ﷺ: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق» (أحمد). فهل تغيرت أخلاقنا بعد رمضان؟ هل ما زلنا نتمتع بالصبر، والصدق، وحسن المعاملة، أم عدنا إلى ما كنا عليه قبل الشهر الكريم؟
ثالثا، اختبار استشعار مراقبة الله: في رمضان امتناعنا عن الحلال استجابة لأمر الله، فهل نواصل الابتعاد عن الحرام بعد رمضان؟ يقول بعض السلف: "من علامات قبول الطاعة أن تتبعها طاعة، ومن علامات ردها أن تتبعها معصية".
مع انتهاء رمضان، يحتاج المسلم إلى وسائل تساعده على الاستمرار في طريق الطاعة والعبادة. وهذه بعض الوسائل التي يمكن أن تساهم في ثباتنا على الطاعة:
- الاستمرار في الأعمال الصالحة ولو كانت قليلة: يقول النبي ﷺ: «أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل» (متفق عليه). إذا لم نستطع أن نواصل جميع الأعمال التي كنا نؤديها في رمضان؛ فيجب أن نحرص على أن تكون أعمالنا دائمة ومستمرة؛ فصيام الست من شوال على سبيل المثال يُعد من أفضل الأعمال التي تقوي علاقتنا بالله بعد رمضان.
- مصاحبة الصالحين والبعد عن المؤثرات السلبية؛ كان الحسن البصري يقول: "إخوان الخير أنفع لك من إخوان السوء". فالصحبة الصالحة هي من أعظم وسائل الثبات؛ لأنها تساهم في تعزيز الوازع الديني في القلب وتحفز على الاستمرار في الطاعة.
- التوبة والاستغفار ومحاكمة النفس؛ قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا". محاسبة النفس والتوبة المستمرة من أعظم الوسائل التي تحفظنا على الطريق الصحيح. كان النبي ﷺ يستغفر الله في اليوم أكثر من سبعين مرة (رواه البخاري 6307). فمواصلة الاستغفار تمنع من الوقوع في الكبائر وتدفع عن النفس الوقوع في الغفلة.
ختاما؛ فإن من أعظم دلائل قبول العبادة في رمضان هو الاستمرار في الطاعة بعده. ولا ينبغي لنا أن نكون من الذين يعرفون الله في رمضان ثم ينسونه بعده. فالتغيير الذي أحدثه رمضان في حياتنا يجب أن يكون دافعا لنا للاستمرار في العبادة والتقوى طوال العام.
نسأل الله أن يثبتنا على الطاعة، وأن يجعلنا من الذين يتبعون الصلاح والاستقامة بعد رمضان، وأن يعيننا على أن نكون من الذين لا يعرفون إلا طاعته في كل وقت وحين.
ودمتم سالمين!