القهوة عشق لا ينتهي
ما هي أفضل طريقة تقوم بها لبدء صباحك، هل تستفتحه بشرب كوب قهوة سوداء أم قهوة مع الحليب أم بالهيل أم ماذا؟!، طبعًا الكثير يحب شرب القهوة ولايهمه بأي طريقة حُضرت وبأي مادة أضيفت لها طالما كانت تحوي في ثناياها مسحوق حبات بنٌ، فالقهوة ليست مشروب يومي عادي يستمتع الناس بشربها فقط، بل ظلت عادة ألفوها الناس وتناقلوها وتوارثوها جيل بعد جيل، فكانت حاضرة في أشعارهم وقصصهم الشعبية والفاكهية، إلا أن هناك اختلاف عن أصل وموطن اكتشاف شجرة البُن، فهناك قصتان تتشابهان إلى حدًا كبير، الأولى تدور في اليمن تُحكى القصة أن هناك راعي أغنام كان يرعى أغنام له على سفوح أحد جبال اليمن "قبل الإسلام بقرون" لاحظ الراعي أن ماعزًا له "فضولية" أكلت من شجرة البن قبل اكتشافها وكانت تتصرف بنشاط وخفة وحيوية بشكل غير طبيعي، علم أن ماعزته قد أكلت من شجرة البُن، فساقه فضوله لتذوقها "كمعزاه" وأكل تلك الحبيبات، كرّر التجربة مرات واهتدى أخيرًا أنها سر نشاط ماعزته تلك، التي أكلت من تلك الحبيبات المتناثرة كاللؤلؤ على أغصان الشجرة، فاحس بتأثير عجيب ونشاط وإفراط في الحركة فنشر الخبر بين العامة وبسرعة البرق أخذ الجميع يأكلون ويطبخون ويرتشفون هذا المشروب السحري، حتى تطورت فيما بعد زراعته وتجارته واصبحت اليمن من أكبر المصادر العالمية الهامة للبُن في العالم، وما مدينة المخا القابعة على البحر الأحمر غربي اليمن إلا خير شاهد على ذلك، إلا أن هناك قصة أخرى تحكى وبنفس السيناريو والحوار "الراعي والعنزة والبن" ولكن ليس في اليمن بل تدور أحداثها في إثيوبيا القريبة من اليمن والتي لاتفصلها عنها سوى البحر وعدة كيلومترات، حينما اكتشف الراعي الأثيوبي نشاط معزاه نشيطة ومستيقظة، فأكل من تلك الشجرة "البن" وشاهد التحور العجيب فاخبر الرهبان وانتشرت الشجرة في البلاد وأخذ الجميع في طباختها وتذوقها.
إلا أن الجميع مجمع على أن القهوة قد ارتبطت ارتباط وثيق باليمن وأصبحت ملازمة له حتى هذه اللحظة، فالقهوة تراث قديم جديد مستخدم مستهلك حاضرة في كل الاحتفالات التقليدية و جزءًا وموروث قومي هام ولا تذكر القهوة إلا وذكرت اليمن أو العكس، والتي باتت رمزًا للضيافة والكرم عند اليمانيون خاصة والعرب عامة.
ذاعت الأساطير التي تحكي قديمًا على أن مشروب القوة مشروب منشط تجعل من شاربها ومتعاطيها مدمن له، له القدرة على إلا ينام فمباشرة اعتبروها نوعًا من الكحول المنشط، أعقبه تحريم جازم من قبل الأزهر الشريف بعد عودة المصريين من اليمن الذين عملوا فيها وجلبوه معهم ولاحظوا التغيرات عليهم وكمية النباهة وعدد ساعات الاستذكار وعدم رغبتهم للنوم، حتى جاء دور علماء مكة الذين سبقوا فتاوى الأزهر وحرموا شرب القهوة للأسباب نفسها وانقسم الفقهاء حيال ذلك بين التحريم المفرط والإباحة، إلا أن الناس لم يقاوموا آنذاك سر المذاق الأخّاذ والرائحة الفريدة للقهوة فتحايلوا على العلماء واستمروا في "تعاطيها" وشرب هذا السائل الأسمر والتمتع به إلى آخر قطرة منه حتى أُعلن عنها بأنها شراب مُباح ولاضير من شربه.
نتفق جميعًا أن للقهوة رائحة زكية تسحر الألباب أثناء التحميص وبعده وأثناء الطحن والطهي وبعده أيضًا، مع الجديد بالذكر أن لكل منطقة أو دولة طرق مختلفة في الإعداد والتحضير، حتى أن هناك شركات أجنبية عمدت على وضع إضافات اخرى تناسب أذواق الناس ومتطلباتهم، إلا أن النسخة الأصلية العربية هي الغالبة وهي السائدة وهي سر بقاء هذا المشروب يتربع في الصدارة.
الآن وبعد أن انتشرت القهوة حول العالم وبعد أن ألفوها وباتت جزء من ثقافة الشعوب فان الجميع يلتف حول الكافيهات ومتاجر بيعها وشربها بنهم شديد، ويتلذذون بها وهم يرتشفون ويستمتعون بمذاقها ويهيمون بلحظات استرخاء حد الثمالة، لا أخفيكم سرًا باني أهيم في أعماق الذكريات وأنا أشربها على مضض صباحًا، ولم يعد أي إنسان على الأرض لايعرفها.
لقد تكلم الأدباء والكتاب والشعراء والفلاسفة والعشاق عن القهوة والبن في أشعارهم ومؤلفاتهم وعن اهمية القهوة يقول محمود درويش: (القهوة كالحب قليل منه لايروي وكثيرًا منه لايشبع) ويقول شاعر الحب والغزل نزار قباني متغزلًا ومداعبًا القهوة يقول: ( القهوة عجوز معمرة لها أحفاد بررة يقبلوها كل صباح ومساء وأنا أكثرهم برًا بها). كما أن الكثيرون يعتبرون عشقهم للقهوة كفيلاً بأن يستبدلوا به حبهم للأشخاص، فقد نختلف في كل شيء إلا حبنا للقهوة رغم مرارة طعمها وأسوداد لونها، إلا أنها تبقى المشروب الذي نشربه بمزاجنا دون تدخل، فرشفة واحدة تنسيك التعب والارهاق الذي يصلك أثناء تأدية عملك كقطعة إسفنج امتصت وعاء ماء كان مسكوب على الأرض، فعشق القهوة لاينتهي!.
وعن طريف ما نقل عنها أن زملاء خريجون من إحدى الجامعات ألتقوا بمنزل أستاذ متقاعد تعلموا منه الكثير بعد أن حقق كل منهم في حياته الشخصية والعملية الكثير من الأمنيات، وبعد عبارات التحية بين الجميع بدأ كل منهم بالحديث عن مشاريعه، ذهب الأستاذ وعاد إليهم محملًا بأبريق قهوة وأكواب مختلفة الأشكال والألوان، أكواب صينية وزجاجية وبلاستيكية وأكواب من الكريستال الخالص وأنواع أخرى باهضة الثمن، طلب منهم أن يصبوا القهوة وكلًا يختار نوع الكوب الذي يناسبه، جميعهم اختاروا الأكواب الثمينة المزركشة بالرسومات والألوان البراقة، ابتسم الأستاذ وقال لهم هل لاحظتم أن اختياركم وقع على الأكواب غالية الثمن وتجنبتم العادية..!، أردف فقال لهم الجميع يحب أن يتطلع إلى الأفضل وهذا سبب القلق دائماً، تناسيتم أن ماستتناولونه فقط القهوة نفسها لا الأكواب التي لا حاجة لكم بها!!!، دعونا نتخيل أن الحياة هي القهوة والمكانة الاجتماعية هي الأكواب وبالتالي جميعها أدوات وصحون تحوي الحياة ولكنها لاتمثل ولا تعتبر الحياة ذاتها بأي حال من الأحوال،
فتضيع فرصتك في الاستمتاع بالقهوة ذاتها أي الحياة لذلك علينا ترك الإهتمام بالأكواب والاستمتاع بالقهوة ..
وأخيرًا ماذا عنك أيها القارئ أخبرني، هل أنت من محبي الأكواب المزخرفة باهضة الثمن ويهتمون بالمظهر لابالجوهر، أم ممن يهتمون بطعم القهوة ولو كانت في أكوب خشبية ولايعيرون للمظهر أي قيمة؟!