رفقًا بهم... فمصيرنا واحد

في خضمّ تسارع عجلة الحياة، وانشغال الإنسان في صراعاته مع ذاته ومع غيره؛ هناك كائنات صامتة تدفع ضريبة جشع الإنسان، وتُقصى عن الوجود شيئا فشيئا، لا لأنّها ضعيفة؛ بل لأنّ من يملك القوة لم يحسن استخدام سلطته. الحديث هنا عن الحيوانات المهددة بالانقراض، كالظباء العربية، والنمور، والسلاحف البحرية، وغيرها من الكائنات التي كانت جزءا من نسيج بيئتنا، وها هي اليوم على حافة الهاوية.

وربما يتساءل البعض: ما شأننا بهذه الحيوانات؟ ولماذا يدافع عنها بعض الناشطين البيئيين بإلحاح وحرقة؟

الجواب يكمن في فهم أعمق لمقاصد الشريعة الإسلامية، وفي إدراك حقيقة التوازن البيئي الذي يقوم عليه استمرار الحياة:

أولا: الإسلام لا ينظر إلى الحيوان ككائن خاضع للإنسان يفعل به ما يشاء؛ بل هو مخلوق من مخلوقات الله، له وظيفة في هذا الكون، وحقٌّ في الحياة، وله حرمةٌ ينبغي احترامها. قال تعالى: ﴿وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُم﴾ [الأنعام: 38].

فالله يخبرنا أن هذه الكائنات أممٌ لها نظامها وحياتها، كأمتنا تماما. كما قال صلى الله عليه وسلم: «في كل ذات كبدٍ رطبة أجر» [رواه البخاري ومسلم]؛ فكيف يكون لنا أجرٌ في الإحسان إليها، ولا يكون علينا وزرٌ في التعدي عليها، خصوصا حين نؤدي إلى فنائها التام؟

ثانيا: يجب أن نقلع عن اصطياد الحيوانات المهددة بالانقراض؛ حتى:

- لا يختل التوازن البيئي؛ فكل كائن يؤدي وظيفة محددة في النظام البيئي. فانقراض الظباء يؤدي إلى نمو غير طبيعي لبعض النباتات وانقراض أخرى، مما يؤثر على المراعي والتنوع النباتي. وغياب النمر العربي يزيد من أعداد الحيوانات الأخرى التي كانت تحت رقابته، مما يخل بالتوازن في السلسلة الغذائية. واختفاء السلاحف البحرية يؤدي إلى زيادة قناديل البحر، ويؤثر على الشعب المرجانية.

فالتوازن البيئي شبكة مترابطة، وغياب أحد أطرافها يهدد الكل، ونحن من بين ذلك "الكل".

- وحين يشارك المسلم في صيد مخلوق مهدد بالانقراض، سواء لمجرد المتعة أو التجارة أو الجهل؛ فهو لا يضر فقط البيئة؛ بل يشوه صورة دينه الذي جعله خليفة في الأرض.

ثالثًا: مسؤولية المسلم تجاه الكائنات المهددة بالانقراض هي:

- التوبة من الإفساد في الأرض: قال تعالى: ﴿وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا﴾ [الأعراف: 56]. وصيد الحيوانات النادرة من أعظم وجوه الإفساد البيئي المعاصر.

- وواجبه الإبلاغ عن المخالفين؛ فالساكت عن المنكر شريك فيه. وحماية الكائنات مسؤولية جماعية.

- والمسلم مطالب بالعلم والعمل. ولهذا عليه دعم المحميات، ومساندة الحملات التوعوية، ولبكن صوتا للحياة.

ومن مسؤولية المسلم ترسيخ ثقافة الرّفق في الأبناء؛ قال صلى الله عليه وسلم: «من لا يَرحم لا يُرحم».

علم أولادك أن الرحمة لا تتجزأ، وأن الاعتداء على حياة مخلوق ضعيف لا يقل خطورة عن ظلم إنسان.

ختاما؛ نحن لا ندافع عن الظباء لأننا نخشى على الظباء فحسب؛ بل نخشى على نظامنا البيئي، على أطفالنا، على طعامنا وشرابنا، على مستقبلنا.

والإسلام علّمنا أن الحياة وحدة متكاملة، وأننا مؤتمنون على الأرض وما فيها. فهل نؤدي الأمانة، أم نخونها لمتعة لحظة أو ربح زائل؟

فرفقا بهم؛ فإنهم من خلق الله، ومصيرنا ومصيرهم واحد.

وفق الله الجميع للرفق الذي لا يأتي إلا بخير!

ودمتم سالمين!