الإيمان عقد ميثاق بين العبد وربِّه ( 1 )
بقلم: عبدالله محمد الجفري
هل يدخل المؤمن في عقد وميثاق مع الله سبحانه وتعالى إذا آمن به ؟ وشهد الشهادتين ؟ وما هو الإيمان والميثاق ؟ الإيمان هو كما يقول الشيخ محمد رشيد رضا في تفسيره : هو التصديق الجازم , المقترن بإذعان النفس وقبولها واستسلامها , وآيته العمل , بما يقتضيه الإيمان ..." والميثاق هو عقد بين طرفين أو أطراف عدّة . ويعرفه القرطبي : العهد المؤكد باليمين , مفعال من الوثاقة والمعاهدة وهي الشدّة في العقد والربط ونحوه " . يقول الإمام الشعراوي :" فساعة إعلان إيمانك بالله : هي ساعة تعاقدك مع الله على أن تنفّذ ما يكلفك به " ويقول :" الواحد من أولي الألباب ساعة آمن بالله , فهو يعلم أنه قد تعاهد مع الله عهداً , بألا يعبد غيره , وألا يخضع لغيره , وألا يتقرب لغيره , وألا ينظر أو ينتظر من غيره , وهذا هو العهد الأول الإيماني "وكون أن العهد والميثاق هو جملة ما أمر الله به عباده وافترضه عليهم وما نهاهم عنه . فقد قال به المحققون والمفسرون من الأئمة. قال ابن عطية :" {{ بعهد الله }} اسم للجنس أي بجميع عهوده , وهي أوامره ونواهيه التي وصّى بها عبيده , ويدخل في هذه الألفاظ جميع الفروض وتجنّب جميع المعاصي " وقال القرطبي :" وقيل هو وصية الله تعالى إلى خلقه , وأمره إياهم بما أمرهم به من طاعته , ونهيه إياهم عمّا نهاهم عنه من معصيته في كتبه على ألسنة رسله , ونقضهم ذلك ترك العمل به " وبذلك قال ابن جرير الطبري أيضاً .
فإذا كان الإيمان عقد بين العبد وربِّه فما هو موضوع العقد ؟ إنه فعل الواجبات واجتناب المنهيات , وإصلاح ذات البين يقول تعالى :{{ وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة و ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة }}[ موضوع العقد سنجده في القرآن الكريم متفرقا في كثير من آياته وكما أخذه الله علينا أخذه ممن كان قبلنا من أهل الكتاب قال تعالى :{{ وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحساناً وذي القربى واليتامى والمساكين وقولوا للناس حسناً وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ثم توليتم إلا قليلاً منكم وأنتم معرضون }}[ البقرة : 83 ] وعبادة الله تعالى تعني إقامة حياة المؤمن على شرع الله ومنهجه كما أمر ونهى وكما يحب ويرضى . يقوم الإمام الشعراوي :" العبادة تعني طاعة العابد للمعبود في أمره ونهيه " وقال :" وإذا كانت العبادة كما قلنا طاعة العابد للمعبود في أمره افعل ولا تفعل فهي بهذا المعنى تشمل حركة الحياة كلها , ولا تقتصر على الصلاة والصيام والزكاة كما يريدها البعض من الذين يعزلون الدين عن حركة الحياة . يقولون لا سياسة في الدين , ولا دين في السياسة . وهذا قول باطل وغير صحيح , والذين فعلوا ذلك يريدون أن يجعلوا لأنفسهم سلطة زمنية تخضع لأهوائهم ليفعلوا ما يريدون . إن منهج الله يشمل الحياة كلها من قمة لا إله إلا الله إلى إماطة الأذى عن الطريق , ولو كان الأمر كما يقولون أنترك القاتل فلا يقتل !؟ ونترك الزاني فلا نقيم عليه الحد ؟ ونترك شارب الخمر ؟ ونترك المفسدين يفسدون ونترك الناس لا يتناهون عن أمر فعلوه ؟ ... فكيف نقصي دين الله عن حركة حياتنا , وقد تدخل في أبسط الأمور , فدخل رجلٌ عاص الجنة لأنه سقى كلباً , ودخلت امرأة النار في هرَّة حبستها , فما بالك بالإنسان الذي كرَّمه الله , أنهتم بسياسة الكلاب ,ونترك سياسة البشر " ويقول تعالى :{{ وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم ولا تخرجون أنفسكم من دياركم ثم أقررتم وأنتم تشهدون }} وهو عقد ميثاق يأتي به الأنبياء كلهم يقول تعالى :{{ الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق (20) والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربّهم ويخافون سوء الحساب (21) والذين صبروا ابتغاء وجه ربّهم وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرّاً وعلانية ويدرؤون بالحسنة السيئة أولئك لهم عقبى الدار (22) جنات عدن يدخلونها ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم والملائكة يدخلون عليهم من كل باب (23) سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار (24) والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أو يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار }} وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لا إيمان لمن لا أمانة له , ولا دين لمن لا عهد له "
ومعلوم أنه يجب الالتزام بهذا الميثاق وأن يطبق المؤمن منهج الله وشرعه فيبني بموجب بنود العقد أخلاقه وسلوكه ووجدانه وأن يكون قرآنا يمشي على الأرض أسوة برسول الله صلى الله عليه. وفي المقابل يصلح الله سبحانه وتعالى دنياه وآخرته , فيعيش سعيداً في الدنيا فإن مات تتلقاه الملائكة بالبشرى فتدخله الجنة جزاء وفاقا . فإن أهمل وترك شيئا ولم يقم بهذا العقد والميثاق ,مقتصرا أو ناسيا أو جاهلا مع علمه دخل في شعبة المعاصي فتسلمه المعاصي إلى الفسوق حتى يخرجه الفسوق من الإيمان , ويدخله في النفاق ويسلمه النفاق إلى الكفر . فكلما أهملت تكليفا , أو عصيت أمرأ أو نهياً , كان ذلك خروج عن بند أو بندين أو بنود في عقد الميثاق فالفسوق كما يقول الشعراوي :" يقال " فسقت الرطبة " إذا خرجت عن قشرتها , وأخذ الدين هذا التعبير وصفاً لمن يخرج عن منهج الله , فكأن منهج الله يحيط بالإنسان في كل تصرفاته , فإذا ما خرج الإنسان عن منهج الله , كان مثل الرطبة , التي خرجت عن قشرتها " وقال عطاء في تفسير قوله تعالى :{{ فلا رفث ولا فسوق }} قال : الفسوق المعاصي كلها . ويبقى السؤال هل نحن مؤمنون ؟ هل نقضنا ميثاق الله فصرنا كاليهود يقول تعالى :{{ بما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه ونسوا حظاً مما ذكروا به }}[ المائدة : 13 ]