جرحى وأسر شهداء تعز يواجهون الإهمال المتعمد والتجاهل الرسمي

تُعدُّ محافظة تعز واحدة من أكثر المدن اليمنية التي دفعت ثمناً باهظاً في سبيل الدفاع عن كرامتها ومواجهة المليشيات الحوثية، وقد سطّر أبناؤها تضحيات عظيمة في مختلف جبهات القتال. لكن، وعلى الرغم من هذه التضحيات، فإن الجرحى وأسر الشهداء في مدينة تعز يواجهون واقعاً مأساوياً عنوانه "الإهمال المتعمد والتجاهل الرسمي".

تبدأ المأساة من لحظة إصابة الجندي أو استشهاد البطل. إذ تُنظم السلطة المحلية وقيادة محور تعز جنازات مهيبة للصلاة على الشهداء، تتصدرها في بعض الأحيان مواكب رسمية ضخمة، وخطابات حماسية تُمجّد الشهادة والتضحية. ولكن بمجرد انتهاء الجنازة، يبدأ الإهمال. تُترك أسرة الشهيد لتواجه مصيرها بمفردها، دون أي دعم حقيقي، لا من الناحية المالية ولا النفسية ولا حتى في توفير فرص العيش الكريم.

أما الجرحى، فيتم الإهتمام بهم حال إصابتهم، ويتم نقلهم إلى مستشفيات أغلبها غير مجهزة لعلاج الحالات الحرجة، ويُكتفى بتقديم الإسعافات الأولية لهم، ومعالجة جروحهم بصورة موقتة، ثم يُهملون ويُتركون في مواجهة مصيرهم، غالباً بلا دواء ولا علاج، ولا حتى منح مالية تساعدهم على الاستمرار في مواجهة معاناة وأوجاع الحياة. فيُجبر البعض على بيع ممتلكاته، أو اللجوء للاستدانة لتغطية نفقات العلاج، في مشهد يعكس قسوة التجاهل الرسمي لتضحياتهم الجسيمة.

والمؤسف أن هذا الإهمال لا يأتي من فراغ، بل يترافق مع تصريحات وقرارات رسمية تُخصص نسباً من إيرادات المحافظة، من الضرائب، الجوازات، الأحوال الشخصية وغيرها، لصالح الجرحى وأسر الشهداء. ولكن الواقع يكشف أن هذه الأموال لا تصل إلى مستحقيها، وإنما تذهب إلى جيوب القيادات المتنفذة، لتُصرف في غير محلها، وسط غياب كامل للرقابة والشفافية.

إن استمرار هذا الوضع المؤلم يُعد خيانة لتضحيات الأبطال الذين قدّموا أرواحهم وأجسادهم من أجل استعادة الدولة والجمهورية، والدفاع عن هذه المدينة الباسلة. فالتكريم الحقيقي للشهيد لا يكون بجنازة صاخبة، بل برعاية أسرته وضمان مستقبل كريم لهم. والوفاء للجرحى لا يتم بإسعاف عاجل، وعلاج موقت، بل بعلاج شامل، وتأهيل دائم، ودعم مستمر.

اليوم تحتاج مدينة تعز إلى وقفة جادة، ومحاسبة حقيقية، وتفعيل الرقابة على الإيرادات المخصصة للجرحى وأسر الشهداء. فهؤلاء الأبطال لا يستحقون سوى الرعاية والوفاء، لا الإهمال والجحود.