الدكتور ياسر باعزب.. حين يقود الإعلام عقلٌ وقلب

ليس من عادتي أن أكتب انفعالاتي الشخصية في مقالاتي، لكنني اليوم أتنحّى قليلًا عن هذا العُرف، لأن الحديث عن الدكتور ياسر باعزب لا يمكن أن يكون حديثًا عابرًا، ولا يمكن أن تحيط به العبارات الإنشائية أو المجاملات العابرة. 
نحن هنا أمام شخصية تُجبرك على احترامها، لا بكثرة حضورها أو صخبها، بل بعمق تأثيرها، وصدق أدائها، ونقاء سريرتها، وهكذا عرفته.

أعرف الدكتور ياسر باعزب عن قرب، لا كصديق فحسب، بل كشريك في العمل النقابي الجنوبي، وكزميل يؤمن بأن الإعلام رسالة سامية لا مهنة عابرة، وأن القيادة مسؤولية لا منصب. 
من النادر أن تصادف شخصية تُحسن الإمساك بخيوط العمل الإعلامي المهني، وفي الوقت ذاته لا تفقد إنسانيتها ودفء تعاملها، ياسر يفعل ذلك بامتياز.
حين تسلم الدكتور ياسر مهامه في قيادة دفة الإعلام بمحافظة أبين، كانت الساحة تعج بالتناقضات، وكان المشهد الإعلامي أشبه بسفينة تتقاذفها أمواج المصالح واللاحتراف.
 لم يأتِ بشعارات رنانة، ولم يستعرض خططه أمام عدسات الكاميرا، بل آمن أن الفعل هو أبلغ من القول، وأن التغيير الحقيقي يبدأ من الداخل، فاشتغل بصمت، وبنى بثبات، ورمم جدران الثقة بين الإعلاميين، وخلق بيئة جديدة تنبض بروح الفريق والانتماء.

أعاد الاعتبار للإعلام كمؤسسة وليس كمنبر للفوضى، أعاد صياغة العلاقة بين الإعلام والواقع، بين الرسالة والمهنية، بين الخبر والتحليل العميق. 
لم تكن مهمته سهلة، فقد واجه "عش الدبابير"، لكنه لم يتراجع، بل واجه بحكمة القائد، وصبر المعلم، واحترافية الإعلامي الأكاديمي.

الدكتور ياسر لا يقود من مكتبه فقط، بل من الميدان، من تفاصيل اليوم الإعلامي، من هموم الإعلاميين الصغار قبل الكبار. يحرص على أن يُصغي، أن يتابع، أن يسهم، أن يتواجد. 
لا يكلّ ولا يملّ، وحين تتحدث إليه، تشعر أنك أمام عقل تحليلي يعرف ماذا يريد، ويعرف كيف يصل إليه دون أن يخطو على أكتاف أحد.
ربطتني بالدكتور ياسر علاقة عمل نقابي قصيرة في مدتها، لكنها كانت عميقة في أثرها، تعلمت منه خلالها فن الإنجاز بروح المسؤولية، وعايشت نقاء العلاقة وصفاء الود الذي لا يصطنع.
ما يميزه أكثر هو تلك المزاوجة النادرة بين الذكاء العملي والخلق الرفيع.
 لم أعرفه يومًا منفعلاً أو متشنجًا، ولم أره إلا حاملاً لراية الحوار والنقاش الراقي، يعرف متى يتكلم ومتى يصمت. ومتى يحسم، ومتى يترك للزمن كلمته.

ظل كما عرفته أول مرة، شابًا بسيطًا، أنيقًا في فكره، نزيهًا في تعامله، كبيرًا في أخلاقه.
 صداقة ياسر من تلك العلاقات النادرة التي تفتخر بها الذاكرة وتطمئن لها الروح.

ختامًا:

الدكتور ياسر باعزب ليس مجرد مدير مكتب إعلام في أبين، بل هو مشروع وطني صغير في جسد رجل. 
هو صوت إعلامي نظيف في زمن الضجيج، وهو شخصية تستحق أن تُروى للأجيال كنموذج لما ينبغي أن يكون عليه الإعلامي الحقيقي، قلبٌ يعرف الحب، وعقلٌ يعرف الحكمة، وضمير لا يعرف الخيانة.