هل عرف النفاق في مسلمي مكة قبل الهجرة وتأسيس الدولة ؟ ( 1 )
بقلم: عبدالله محمد الجفري
يميز العلماء والمؤرخون بين فترتين في دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم وانتشارها : الفترة الأولى ويطلقون عليها الفترة المكية وهي التي أمضاها في مكة يدعو الناس ويجاهد لنشرها وقد أمضى الرسول فيها ثلاثة عشر عاما , ويؤرخ لها بالسنين من البعثة أو ما قبل الهجرة فيقال في السنة الأولى أو السنة الثالثة من الدعوة . والثانية : هي الفترة المدنية وهي التي تبدأ بهجرة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة , ويؤرخ لها بالقول في السنة الأولى أو السنة الخامسة من الهجرة , وقد استمرت عشر سنوات فقط . وبذلك تكون الدعوة هي ثلاثة وعشرون عاماً في أرجح الأقوال وقيل : عشرون سنة .
ويخطئ من يظن أن الإسلام أو الإيمان في مكة قبل الهجرة لم يخالطه نفاق هكذا تعلمنا وهكذا قال لنا علماؤنا وكبراؤنا وعجائزنا .ومما قالوا : أن النفاق ظهر مع دولة الإسلام في المدينة أما في مكة فلم تكن هناك دولة ولا نفاق . لكن القرآن الكريم يقول لنا غير ذلك , يقول أنه وجد في إسلام أهل مكة النفاق , ووجد فيها منافقون . يقول تعالى {{ ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله ولئن جاء نصرٌ من ريِّك ليقولنَّ إنا كنا معكم أوليس الله بأعلم بما في صدور العالمين (19) وليعلمنَّ الله الذين آمنوا وليعلمن المنافقين ( 11 }}[ العنكبوت ] وسورة العنكبوت من أواخر السور التي نزلت في مكة . ولا اختلاف أو نزاع في أنها نزلت بمكة . إنما الخلاف في عدها آخر ما نزل أو عد غيرها فالبعض يقول أنها أخرما نزل والبعض ينكر ذلك ويذكر غيرها .
فهذه آية من كتاب الله ترد قول الآباء والمشايخ والكبراء . وتنكره وتثبت أنه قد حدث في مسلمي مكة نفاق . وبعد قول القرآن , هل من سيجادل بالباطل بقول الكبراء والعجائز ؟ في المنشورين القادمين سنثبت بآيات الله القرآنية إنه وجد في مسلمي مكة فاسقون , ومرتدون كفروا بعد إيمانهم وطبع الله على قلوبهم . وقد يسأل أحدهم : ما الغاية في معرفة المنافقين أو الفاسقين أو المرتدين في مسلمي مكة قبل هجرتهم إلى المدينة ؟ والحقيقة أن تصحيح اعتقاد الناس ومعارفهم على كتاب الله تعالى هدف عظيم ومع ذلك فإنَّ هناك هدف لا يقل عنه أهمية ونفعاً للمؤمن اليوم فكثير منا في يظن أنه إذا صلى وصام واعتقد بوحدانية الله تعالى قد استكمل الإيمان , ولم يمرُّ بامتحانات الله وابتلاءته التي ابتلى بها الأنبياء وأصحابهم . حتى يزلزلون وتنزل أقادم البعض منهم من ضعاف الإيمان الذين يحبون الدنيا على الآخرة . فالابتلاء سنة إلهية تصيب كل المؤمنين في كلِّ عصر , ولا تظن أنه سيبتلي الله الأنبياء وأصحابهم ويتركك بدون ابتلاء يتمحص فيها دينك الحقِّ , ويخرج الخبث الذي فيه , فكما ابتلى الصحابة في مكة والمدينة ومحص إيمانهم , وفتنوا وسقط البعض فيها , كذلك سنتعرض جميعنا للفتن . قال تعالى :{{ وليبتلي الله ما في صدوركم وليمحص ما في قلوبكم والله عليم بذات الصدور }}[ آل عمران : جزء من الآية 154] فلا يحسب أحدنا أننا في منأى من الابتلاء والامتحان يقول تعالى :{{ أحسب الناسُ أن يتركوا أن يقولوا آمنَّا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمنَّ الله الذين صدقوا وليعلمنَّ الكاذبين }}[ العنكبوت : 2-3] وعندنا شواهد نشاهدهم اليوم كانوا بالأمس خطباء ووعاظ وأئمة يؤخذ الدين منهم , ثم باعوا دينهم بعرض من الدنيا , وسكنوا في مساكن الذين ظلموا وفسدوا واستبدلوا الدين بغيره .