الجنوب بين تعطيل الثروات وحرب الخدمات: كيف يُستخدم الاقتصاد كسلاح سياسي؟
بينما تتفاقم الأزمة الاقتصادية في الجنوب، يجد المواطن نفسه محاصرًا بين وعود زائفة وسياسات تهدف إلى إبقاء الوضع في حالة شلل دائم. ليس الأمر مجرد نقص في الخدمات أو تدهور معيشي، بل هو مخطط ممنهج لضرب أساس الحياة الاقتصادية في الجنوب، عبر تعطيل الثروات الطبيعية وتهميش العمالة الوطنية.
سياسة التجويع بدلًا من الرصاص
في عام 2015، كانت الحرب في أوجها، الرصاص يتطاير في شوارع عدن، لكن الاقتصاد كان صامدًا، الإنتاج مستمر، والمصافي تعمل بكامل طاقتها. اليوم، وبعد سنوات من "الهدنة السياسية"، وجد المواطن الجنوبي نفسه في مواجهة حرب من نوع آخر، حرب اقتصادية ترسم ملامحها بوضوح:
- فصل تعسفي لأكثر من 200 موظف في شركة بترومسيلة، الذين كانوا ينتجون يوميًا أكثر من مليوني برميل نفط، يغطي احتياجات السوق المحلي، يشغل محطات الكهرباء، ويدخل عملة صعبة للبنك المركزي.
- توقف تصدير الغاز، رغم أن بلدنا تعد ثالث دولة عالميًا بعد قطر وروسيا في إنتاج وتصدير الغاز الطبيعي، ما أدى إلى شلل اقتصادي يفاقم الأزمة.
- إغلاق المصافي، وتركها تواجه مصيرها أمام ملوحة مياه البحر دون تشغيل أو صيانة، الأمر الذي جعل إعادة تشغيلها شبه مستحيلة.
التوقيت ليس صدفة
جاءت هذه الخطوات بعد اغتيال المحافظ جعفر محمد سعد رحمه الله، مما يؤكد أن هناك استراتيجية متعمدة لتدمير الاقتصاد الجنوبي وتحويله إلى كيان هش يعتمد على المعونات والمنظمات الإغاثية، وكأن الجنوب لم يكن يومًا منتجًا أو قائمًا بذاته اقتصاديًا.
*من المسؤول؟*
مع كل هذه الوقائع، السؤال الأهم هو: من يقف وراء هذا المخطط؟
تغيير الموظفين في الشركات النفطية، تعطيل الإنتاج، وضرب أساس الاقتصاد، كلها خطوات تصب في مصلحة طرف واحد، الطرف الذي يسعى إلى إبقاء الجنوب في دائرة الفوضى، ليظهر لاحقًا على أنه "رجل الدولة" القادر على ضبط الأمور وإدارة الملف الاقتصادي وفق مصالحه.
*الحل؟*
من منظور اقتصادي، لا يمكن إصلاح الوضع دون خطوات واضحة:
- إعادة العمال المفصولين إلى وظائفهم.
- فتح خطوط التصدير وضمان تشغيل المنشآت النفطية.
- إعادة الهيكلة الاقتصادية بأيدٍ جنوبية مخلصة، بعيدًا عن سياسات الابتزاز والتجويع.
لكن الرهان الأكبر لا يجب أن يكون على حكومة أو شرعية، فالحل الحقيقي يكمن في إعلان الحكم الذاتي، وإدارة الجنوب بثرواته بما يحقق استقلالية اقتصادية حقيقية.
المعركة اليوم لم تعد معركة سياسية أو عسكرية فقط، بل معركة بقاء، معركة اقتصاد، ومعركة مصير وطن. فإما أن يستعيد الجنوب سيطرته على ثرواته، أو يبقى رهينة لمخططات تستهلك مقدراته حتى النهاية.