السراب
بقلم: حسين السليماني الحنشي
حلم عبود، بالحياة الطيبة، وتقدم هو ومن معه، إلى الوظيفة العامة، من أجل تحسين مستوى معيشتهم ومضت عليهم أوقات صعبة وعسيرة نتيجة الإنتظار للوظيفة، كان يحكم البلد الفساد...
ومايقارب من خمسة وعشرين سنة وأكثر دون وظيفة، أصبح هو ومن معه ، خارج شروط القبول للوظيفة ...
لكن تعاقد للعمل لمدة سنتين وكان يتقاضى أجرا زهيدا جدا ، بعدها أخبروه إن أحد المنظمات الدولية قد تقبلهم لفترة طويلة...
أقتنع أكثر عندما تعايش مع الواقع ، ونظر إلى الموظفين القدامى بلا حقوق ، فلا دولة ولا مؤسسات، تحافظ على حيوية المجتمع ونشاطه التنموي...
دخل بعد استلام أجرته الزهيدة مع مجموعة من الموظفين ، في جمع رواتبهم لكل شهر يدفع إلى واحد منهم، حتى يتمكن أحدهم من بناء مستقبله.
بعد استلام ماجمعه مع زملائه، ذهب عبود لشراء أرضية سكنية، فوجد من يمنعه، وكانت قوافل ممن يدعون أنهم يحافظون على تنظيم المدينة، تصالح معهم بدفع أموال من أجل البناء، ومضى في مشروعه الخاص به، لكن بعد غياب طويل أيضاً لجمع الأموال، عاد ووجد أطقم مسلحة مرة أخرى ، ويتصفون بأنهم رجال الأمن ، لكنهم عراة من الاخلاق يقفون أمامه، نازعهم بالقانون ، لكنهم ألحقوا به الأضرار الجسيمة... عرف أنه لا مخرج له إلا بالتي هي أحسن،
فتجنب الصراع ودفع كل ما طلبوه، كانت غرامة مالية كبيرة، دفعها مما جمعه خلال سنوات كانت عجاف...
عاد من جديد لجمع بعض المال وبصعوبة حتى استطاع الذهاب بعدها ليشترى الأساسات للأرضية السكنية، وهكذا عاد وزاد في عدد المجموعة، حتى يتمكن من استكمال بناء الأساسات للمنزل الذي يرجوه، وهكذا يجمع ويبني حتى وصل إلى السقف، وبعد مرور أكثر من عشر سنوات من الصراعات المتنوعة، دخل سوق مواد البناء ليشتري السقف، كان قد ظن أن المبالغ المالية تكفي بشراء السقف عندما كان السعر منخفض أمام العملة المحلية، في بداية الجمع ، لكنه وجد أن المبلغ المطلوب يكفي لشراء أقل من الربع، تفاجأ بهذا الخبر، والذي بحوزته لايساوي ما كان يظنه من قبل...
عاد مرة أخرى إلى جمع المبالغ المالية، وبعد حصوله على المبلغ، ذهب إلى سوق البناء ليشتري السقف ووجد أن المبالغ التي جمعها أيضاً لاتساوي إلا أقل من الربع فقط، وهكذا عاد وعاد، حتى وصل لاستكمال السقف، وبقي عليه التشطيبات الأخيرة، لكنه مرض فأخذ تلك الأموال للعلاج ووجد انها لا تكفي لعلاجه، فلم يستطع المداومة على الإلتزام بمواعيد العيادة الطبية، وبقي طريح الفراش، لايستطيع الحركة، نتيجة لسوء التغذية، وصاب جسدة الإرهاق الشديد وأصبح هزيل للغاية...
فكان يبكي بكاء مرير على مافات من عمره في سراب هذه الوظيفة العامة، فقال في نفسة: إن حكايتي هذه تشبه أحوال كثير مثلي ببلدي....
كان عبود بحالة لا يحسد عليها من المهموم، وصل إليه أحد إخوانه فكان يحاول إسعاده لكنه كان يقول: نحن اليوم أصبحنا، مثل البذور التي تزرع في الحصى! ليس لديها تربة تحافظ على الماء، أو تمسكها حينما تقوم على سوقها، للأسف تلك المزرعة مثل وظيفتنا، لا تمسك الماء ولا تنبت نبات...
أنني أوصيكم إن تبتعدوا عنها؛ فهي، خزي وذلة لمن كان يعمل بالوظيفة العامة، والآخر الذي حصل عليها بقوة ، فقد باع ضميره، ودينه ووطنه، واستحوذ عليها برخصة الفاسدين، الذي يعمل لصالحهم واصبحوا شركاء لتأمين عملية النهب المنظم...
حينها أصبح هؤلاء الفسدة يملكون ـ الوطنية والوطن ـ أما نحن الشعب فقد كنا على هامش الحياة، لكن ألا ترون أننا قوافل تسير وهي محرومة، وكأننا من عالم آخر.
إن تلك الجثث ما هي إلا أرواح ذاهبة تشتكي بمن ظلمها...