من ذاكرة الموروث الشعبي بالمضاربة.. "الثبارة والسويبع والمحرسة"

في القرى اليمنية، حيث لا يزال للتراث صوت وحضور، تولد الحياة محاطة بطقوس تحفظها الجدات عن ظهر قلب وتُمارس كأنها فرائض لا تقبل التأجيل. عند ولادة المرأة،  وفي المضاربة والصبيحة لا يقتصر الفرح على الزغاريد ، بل تبدأ سلسلة من العادات  الطقوس التي تحمل أسماءً غريبة وتفاصيل مشحونة بالرمز والخوف والرجاء.

الثبارة: أول دم يُسكب فرحًا

حين تضع المرأة مولودها يُسارع أهلها إلى ذبح كبش تُسمى تلك الذبيحة في لسانهم الشعبي "ثبارة وكأنها "ثَبَرٌ" للشر، أو إعلان بانتصار الحياة على الموت. تُطهى الثبارة ويُوزع لحمها على الأقارب والجيران ، تعبيرًا عن الامتنان للسلامة، وطردًا لما قد يكون من "عين" أو شر 

المرضفة: ديك لا دجاجة

وفي اليوم الثالث من الولادة، يُعرف هذا اليوم بـ "المرضفة"، ويُذبح فيه ديكٌ حصراً – لا دجاجة – في طقس دقيق يتعلّق بذكورية القوة، ويُمنع على أم المولود النوم في هذا اليوم، إذ يُقال إن النوم في هذا الوقت قد يعرّضها لـ"دخول الريح" أو "الغيبة الروحية"، مما قد يصيبها أو يصيب رضيعها بالمرض أو النحس.

السُويبع: طائر الخوف في ليلة السابع

أما في اليوم السابع، فتبلغ الطقوس ذروتها، إذ يُعتقد أن طائرًا يُدعى "السويبع" يحوم في الليل، باحثًا عن المواليد الجدد، يدخل من الأبواب أو النوافذ، ليقوم بـنقر الطفل في عينه أو وجهه 
.  
ولذلك، توضع أشواك السّدر  العلب أو أغصان شجر شوكي على الأبواب والنوافذ، حراسة رمزية تُبعد هذا الطائر الغيبي، وتمنع "شرّه" كما يقال.

المحرسة: خنجر ضد الخوف

وقرب سرير الأم، يُوضع مكتل او وعاء مصنوع من سعف النخيل يسمونه هنا غطاء، تُخفي بداخله سكينًا حادة تُدعى المحرسة وهي ليست مجرد سكين، بل أداة رمزية للحماية من العين والجن. تحملها الأم معها أينما ذهبت في الأيام الأولى، وتبقى إلى جوارها حين تغيب عن طفلها، في اعتقاد قوي أن تلك "المحرسة" ستدافع عنه، أو تصرخ في وجه كل غيب خفي

وفي يوم السابع صباحا  يُذبح كبشان إن كان المولود ذكرًا. ويُستدعى الخادم أو الختان الشعبي ليقوم بمراسم الختان، يُعطى أجره وقِطعة لحم تُعرف بـ "الجزارة" عربون شكر ومباركة. ويُنصب "النُصع" على الجبل، وهو هدف رمزي تُطلق عليه البنادق حتى تُصيبه، كأنما هو اختبار عبور للمولود في أول أيامه نحو الرجولة.

وفي ساحة الدار  يحتشد الزوّار، وتصل السوابع أو المسابعة نساء يحملن الهدايا المادية والعينية، يُقدمن ما يُعرف بـ الرفد ويُحتفى بهن. تُقام حفلة السابع، وتضرب الدفوف على إيقاع قانيتين، وتُقدَّم الفتّة  بالسليط والمرق  واللحم، والحلوى والعسل ويضج المكان بأصوات الأطفال والنساء والدعوات الطيبة

ليست هذه الطقوس مجرد خرافات كما يظن البعض، بل هي تراث يُعبّر عن حب الناس لأطفالهم، وعن قلقهم الغريزي من المجهول. إنها مرايا تعكس قوة الروابط المجتمعية وحرصهم على المولود كأمل جديد في الحياة. رغم بعض العادات والتقاليد خالفة تعاليم ديننا الحنيف وهي من البدع  والعادات القديمة ولايعمل بها الإنسان حاليا لكنها تعبر عن قلق الإنسان الفطري على الحياة ومحاولته طرد  مالايره أو يفهمه عبر ادوات مادية ورمزية 
كما قالت جدتي في حد وصفها لطائر السويبع في قصة لها في ليلة السابع.