الجنوب بين مطرقة الانتقالي وسندان الشارع
رغم أن اللحظة السياسية في الجنوب كانت تتطلب قدرًا عاليًا من الحكمة والانفتاح، اختارت قيادات المجلس الانتقالي السير في الاتجاه المعاكس. رفضوا فكرة النزول إلى صفوف المعارضة السياسية الحقيقية، تلك التي لا تزال تحمل مشروعًا وطنيًا متماسكًا رغم كل الإقصاء والتهميش، وبدلًا من ذلك، اتجهوا إلى عقد صفقات مع شخصيات معارضة احتُوِيَت بمغريات المال ووظائف حكومية هامشية، مقابل الصمت أو التواطؤ.
هذه الخطوة كشفت عن اختلال كبير في رؤية المجلس الانتقالي لطبيعة الأزمة، وحجم الغضب الشعبي المتنامي في الشارع الجنوبي. فالمشهد اليوم لا تحكمه الحسابات السياسية التقليدية، بل تحركه ديناميات اجتماعية واقتصادية متفجرة، أبرزها معاناة الناس من الفقر، وتدهور الخدمات، وشعور عام بالإقصاء والتهميش.
في قلب هذا الحراك، برز صوت النساء الجنوبيات في مقدمة التظاهرات الشعبية الأخيرة، ليرسمن صورة جديدة للاحتجاج السياسي والاجتماعي في الجنوب، صوتٌ لم يعد يمكن تجاهله، وقد يتحول إلى شرارة لحراك مدني واسع، يصعب احتواؤه لاحقًا.
الخطاب الرسمي للمجلس الانتقالي لا يزال يتحدث عن “الإصلاح” و”التصحيح”، لكنه يتجاهل أن الشارع فقد ثقته بالوعود. الجنوب يعيش اليوم على إيقاع أزمة عميقة تتجاوز الحسابات السياسية ، وتمضي نحو مواجهة مباشرة بين شعب يبحث عن حياة كريمة، وقيادات تمارس الحكم دون مبررات سياسية حقيقية.
الجنوب على مفترق طرق، وكل المؤشرات تدل على أن مرحلة جديدة تلوح في الأفق، وقد تكون كلفتها باهظة ما لم يتم الإنصات بصدق إلى صوت الشارع قبل أن ينفجر.