شجرة النيم (المريمر) حارسة خضراء تنحر في صمت!

في ركن منسية من العالم، وبين جدران صمتٍ سميك، تُساق شجرة النيم إلى حتفها كأنها مجرمة، تُنفذ بحقها أحكام الإعدام دون ذنبٍ يُذكر. تُباد ببطء، بلا محامٍ يدافع، ولا قاضٍ يُنصف، في مشهدٍ يتكرر بصمتٍ قاتل أمام عيونٍ اعتادت الانطفاء، وضمائر نامت في حضن اللامبالاة.

شجرة النيم ليست مجرد غصن أخضر يلقي بظلاله على المارة. إنها حارسة بيئية، نظام تبريد طبيعي ينثر برد الطمأنينة في أوج الحر اللاهب، إذا زُرعت بعناية حول البيوت، وكأنها أمّ تمسح جبين أطفالها بنسيمٍ مشبع بالرحمة.

رائحتها ليست عابرة، بل حارس غير مرئي ضد أسراب الحشرات. أوراقها تحمل مركّبات تُضعف خصوبة ذكور البعوض، فتقل فرص الملاريا وحمى الضنك، وتتنفس البيوت المحاطة بها شيئًا من الأمان. في الهند، تُعرف بـ"الشجرة الصيدلية" – تُستخدم لعلاج ما يزيد عن مئة داء، وتُعتمد في معاجين الأسنان ومراهم الجمال التقليدية، وكأنها صيدلية متنقلة زرعها الله في الأرض.

هلام ثمارها الناضجة لا يؤكل فقط، بل يوظف غذاءً ودواءً. وزيتها ثروة خضراء تصنع مبيدات زراعية طبيعية، تُطرد الآفات وتُضعف خصوبتها، دون أن تسمم التربة أو تُؤذي البيئة، في زمنٍ بات فيه السمّ يُغلف بورق أخضر باسم "التقدم".

لكن المفارقة السوداء تكمن في أن هذه الشجرة تُباد لتُستبدل بأشجار "الدمس"، وهي لا تملك من الفوائد إلا القليل. تُقلع النيم وتُباع كحطب، في حين يُشترى خشبها الثمين في الأسواق العالمية كمادة خام نادرة، تدخل في صناعات تخفى علينا. أليس هذا عارا بيئيا مقنّعًا بهدوء الجهل أو تقصير المسؤولين؟

صرخة النيم ليست فقط نداءً بيئيا؛ بل رجاء حضاريّ. فمن الظلم أن تُغتال في وضح النهار، في ظل غياب القوانين الرادعة، وتخاذل الجهات المعنية، وعجز المجتمع المدني. آن الأوان لإعلان حالة طوارئ خضراء، تبدأ بسن تشريعات محلية تحميها من الاحتطاب الجائر، وتنتهي ببرامج تشجير وتكثير تُعيد لها هيبتها في خارطة التنمية البيئية المستدامة.

وهنا، يبرز دور الخطباء والدعاة، لا ليُعيدوا الناس إلى المساجد فحسب، بل ليُعيدوا الإنسان إلى فطرته الخضراء، حيث الطبيعة تُكرم لا تُقتل، ويُحمى الضعيف، ولو كان شجرة.

فمن يصمت على إبادة النيم، يُشارك في اغتيال جزء من ضمير هذا الكوكب.