جيل الثمانينات... حين كان الفعل أسبق من القول

في زمنٍ تسوده السرعة وتضج فيه الحياة بالصخب الرقمي والسطحية العابرة، يطلّ علينا جيل الثمانينات، الجيل الذهبي، كصفحة نقية من كتاب الزمن. جيل لا يتحدث كثيرًا، لأنه مشغول بالفعل. لا يتباهى بالمعرفة، لأنه تربى على أن العلم قيمة، لا عرضًا للبيع.

ذات مساء هادئ، دار بين شابة عصرية وأخيها حوار بسيط، لكنه عميق الدلالة. كانت تخبره أن شخصًا من "جيل الثمانينات" قد تقدم لخطبتها، وتتساءل بدهشة عن تصرفاته الغريبة بالنسبة لجيلها؛ فهو لم يثرثر عن نفسه، لم يعرض عضلاته الفكرية، بل اكتفى بالاستماع والإنصات، بسؤال ناضج وابتسامة مطمئنة.

أجابها أخوها:

هذا طبيعي... نحن جيل الثمانينات. تعلمنا أن ننجز قبل أن نعلن، وأن نُحِبّ بصدق دون ضجيج. كنا نقرأ من الصحف لا من المنشورات، ونحفظ أرقام أحبّتنا لا مجرد حساباتهم على مواقع التواصل."

جيل الثمانينات لم يكن يملك "غوغل"، لكنه عرف كيف يبحث. لم يكن يحمل "هواتف ذكية"، لكنه كان يملك ذكاءً في التعامل مع الحياة. تربّى على قيم مثل الاحترام، الالتزام، الصبر، والصدق. تربّى على أن لا يقول "أحبك" كل دقيقة، لكنه يعيشها في مواقفه، وفي حضوره وقت الحاجة.

في زمنهم، كانت العلاقات تُبنى لا تُستهلك، وكان الحديث وجهاً لوجه يُغني عن آلاف الرسائل. لم يكن الحب "فلترًا"، بل موقفًا. ولم يكن الطموح "ترندًا"، بل رحلة طويلة تبدأ من الاجتهاد وتنتهي بالرضا.

جيل الثمانينات هو جيل المعرفة قبل الإنترنت، والثقافة قبل المنصات، والحوار قبل الصراخ. هو الجيل الذي لا يزال قادرًا على أن يكون قدوة وسط الضباب، وأن يقدّم توازنًا نحتاجه في هذا العالم المختل بالإيقاع السريع.

فمن لا يعرف هذا الجيل... فاته أن يرى الحياة بنسختها الأجمل، حين كانت القيم تُعاش لا تُقال.