في ظهر العيد... رحل السند الذي لم يكن أبي، لكنه كان كأبي
في ظهر أول أيام عيد الأضحى،
حين كانت المآذن ترتفع بالتكبير،
وحين كان الناس يتهيأون للفرح،
كان قلبي أنا يتصدّع من الحزن.
في لحظةٍ لم أفهمها…
جاءني الخبر الذي كسر ظهري:
رحل أبو أصيل.
نعم، لم يكن أبي…
لكنه كان لي كل شيء يشبه الأب،
حنانه، نظرته، دعاؤه، وقلبه الكبير…
كان يراني بنظرة فخر، لم أعتدها حتى من أقرب الناس،
كان يحدثني وكأنني شيء عزيز عليه،
وما زلت أسمع صوته في داخلي يقول:
"لا تضيع صوتك… لك مستقبل، والناس بتسمعك."
كأن قلبه كان يرى ما لم أره أنا في نفسي.
يا الله… كيف لكلماتٍ بسيطةٍ أن تغير مجرى حياة؟
كان دعمه لي مثل اليد التي تسندك وأنت تتعثر،
كان حضوره في حياتي… أمان.
واليوم؟
رحل، فجأةً، بلا وداع…
كأن العيد فقد طعمه،
كأن "بروم" كلها لبست ثوب الحزن،
كأن الشمس خفت ضياؤها،
وكأن كل شيء جميل توقف عن التنفس.
رحل الرجل الذي إذا حضر، ساد الصمت احتراماً،
رحل من كانت الجلسات تزداد هيبة بوجوده،
ومن كانت كلماته بلسماً لكل قلب موجوع.
كان بسيطاً في مظهره…
لكن في جوهره، كان من العظماء،
رجل بقلبٍ يسع الجميع، لا يعرف الحقد، ولا يتقن غير المحبة.
كنت أراه كالطود، كالجبل الذي لا يهتز،
وها أنا الآن… أرتجف لفقدانه،
أشعر كأن ظهري انكسر،
كأن الدنيا انطفأ نورها في عينيّ.
يا أبا أصيل،
لم تكن مجرد إنسان،
كنت أثرًا حيًّا، وذكرى لا تُمحى،
كنت رحيمًا، صادقًا، قريبًا من قلوبنا جميعًا.
أسأل الله الذي أحببته في صمتك، وخشيتَه في عملك،
أن يجعل قبرك روضة من رياض الجنة،
وأن يُسكنك الفردوس الأعلى بغير حساب،
وأن يُبقي اسمك حياً في دعائنا وألسنتنا ما حيينا.
إنا لله وإنا إليه راجعون.
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.