في ذكرى صدام.. القادسية تتجدد

بقلم:نافع مبخوت البعيثي

في مثل هذه الأيام، ومع إشراقة صباح العيد، استقبل العالم العربي نبأ زلزل الوجدان الشعبي وأشعل جذوة الحزن والفخر في آنٍ معًا: "نبأ استشهاد القائد العربي صدام حسين".. لم يكن ذلك الحدث مجرد إعدام سياسي، بل كان مشهدًا دراميًا هز الضمير العربي، وفتح صفحة جديدة في الذاكرة القومية، لا تزال حاضرة ومؤثرة حتى يومنا هذا.

طفولة في حضرة الفجيعة

ما زلت أتذكر جيدًا، وأنا طفل صغير، كيف خيّم الصمت الحزين على منازلنا وأزقتنا، حين تناقلت الشاشات خبر الإعدام.. بدا والدي، كغيره من الرجال العرب، مذهولًا، تتوهج عيناه بحمرة امتزج فيها الحزن بالغضب.. كنّا قد ذبحنا أضحية العيد، لكننا لم نلمسها؛ إذ طغى الحزن على كل شيء.. تلك اللحظة ظلت محفورة في وجداني، لا بسبب رحيل زعيم فحسب، بل لأنها كشفت لي عن عمق مكانته في قلوب الناس، كرمز للشموخ العربي والكرامة القومية.

شهادة.. بين الحزن والفخر

كان والدي الشيخ مبخوت صالح البعيثي، من أولئك الذين تابعوا جلسات محاكمة الشهيد والقائد الشجاع صدام حسين باهتمام بالغ، وكان يردّد دومًا: "الجبناء أعدموه لأنهم يخافونه حيًا وميتًا".. حين شاهدنا مشهد الإعدام، وهو يتقدم إلى حبل الموت شامخ الرأس، قال والدي بصوت متهدج: "هزمهم طالبًا، وهزمهم بعثيًا، وهزمهم رئيسًا، وهزمهم أسيرًا.. وسينهزمون أكثر وهو شهيد".. لم يكن ذلك الإيمان فرديًا، بل كان إحساسًا مشتركًا عاشته الملايين. لقد اختار الله له موتًا يُغاظ به أعداؤه، وحوّل قاعة محاكمته إلى منبر جديد للكرامة العربية.

القادسية الثانية

حين خاض العراق حربه ضد إيران في الثمانينيات، لم يكن صدام حسين وحده في المعركة، بل ساندته شعوب وأنظمة، وكان اليمن في طليعتها.. فقد أرسلت صنعاء أبناءها إلى الجبهات، وساند الرئيس الراحل علي عبدالله صالح تلك المعركة، باعتبارها مواجهة مصيرية للدفاع عن الهوية العربية، وشهدت الجبهات العراقية زيارات تاريخية مشتركة بين صالح وصدام، حيث التقيا بالجنود اليمنيين والعراقيين في مشهد نادر يجسد وحدة الدم والمصير.

وعي قومي عميق

لم تكن علاقة صدام حسين بعلي عبدالله صالح مجرد تحالف سياسي عابر، بل كانت شراكة استراتيجية تستند إلى وعي قومي عميق.. وكلا القائدين أدركا مبكرًا خطورة المشروع الإيراني، وتعاملوا معه باعتباره تهديدًا وجوديًا للأمة العربية.. ورغم مرور السنوات، لا تزال هذه العلاقة حاضرة في ذاكرة اليمنيين، خاصة بعدما استُشهد علي عبدالله صالح في موقف وطني مشابه، ليغدو الثنائي صدام وصالح رمزين لمرحلة قومية لا تُنسى.

ميادين القادسية الثالثة

في اليمن اليوم، تتجدد ملامح القادسية الثالثة في وجه المشروع الحوثي الإيراني، ويبرز العميد الركن طارق محمد عبدالله صالح كقائد وطني يواصل المسيرة ذاتها، ويجسد الإرث القومي الذي تركه عمه الزعيم الراحل.. فقد قاد العميد طارق صالح قوات "حراس الجمهورية" في جبهات الساحل الغربي، إلى جانب رفاقه في المقاومة الوطنية وألوية العمالقة والجيش الوطني، وبرز حضوره السياسي والعسكري كامتداد حيّ لروح المقاومة العروبية التي مثلها القادة التاريخيون، ليجمع بين (صدام و صالح و طارق) في معركة واحدة، وإن اختلفت الساحات.

مواجهة المشروع الطائفي

إذا كانت "القادسية الثانية" قد تصدّت للتمدد الإيراني في العراق، فإن "القادسية الثالثة" تُخاض اليوم على أكثر من جبهة، وفي مقدمتها اليمن، وتتقدم صفوف هذه المعركة أسماء بارزة مثل (الأمير محمد بن سلمان، والشيخ محمد بن زايد، والعميد طارق صالح، وسلطان العرادة، وأبو زرعة المحرمي، وعيدروس الزبيدي)، هؤلاء يقودون ملحمة الدفاع عن الكرامة العربية في وجه أخطر مشروع طائفي عرفته المنطقة.

صدام.. أسطورة تتجدد

لم يمت صدام حسين في ذاكرة الأمة، بل عاد رمزًا يتجدد حوله معنى الشرف والتضحية.. وكما قال أحدهم: "بعض الأجساد ترحل، لكن الأرواح التي نذرت نفسها للأمة لا تموت".. وفي ذكرى استشهاده، نستعيد صوته، وقامته، ومسيرته، وننظر إلى الحاضر فنرى أن القضية ما تزال قائمة، والمعركة لم تنتهِ، والرموز الصادقة تولد دومًا من رحم التضحية.. وليس غريبًا أن يلتقي اسم" صدام" باسم "طارق"، كما التقى من قبل باسم" صالح"، في ملحمة الدفاع عن الكرامة العربية، من بغداد إلى صنعاء، ومن دجلة إلى تهامة.

 الساحل الغربي - المخا

7 يونيو 2025م