إنها المجاعة يا أبي !
خرجت قبل غروب اليوم التاسع ـ وأنا صائم إن شاء الله ـ نحو سوق الأنعام ، لعلي أظفر بأضحية طيبة البدن ، رخيصة الثمن ، يرافقني ابني أحمد ، وبعد أن مررنا بأزقة السوق وزواياه الممتلئة بالضأن والماعز والأبقار ، إذ لم نستطع ابتياع أي منها ؛ لارتفاع أثمانها المهولة ، وبعد أن كاد أن يهيمن علينا اليأس ، وجدنا أنفسنا في آخر السوق منهكين ، إذ قطعنا ـ من حيث وضعنا مركبتنا ـ مسافة تقدر بأكثر من ألف متر .
في هذه الأثناء استذكر أحمد أحد أصدقائه ، المتخصصين في بيع الضأن والماعز ، فاتصل به يسأله ، هل أنت في السوق ؟ قال : أجل ، قال أحمد : في أي مكان من السوق أنت ؟ قال : في آخر السوق عند سوره الشرقي ، حدقنا بالبصر بحثا عنه ، وإذا به بالقرب منا ، عند ذلك انطلقنا نحوه ، ألقينا عليه التحية ، عرض علينا بضعة من ذكور الضأن ، أشرنا إلى أحدهم ، قال : خذوه ولن نختلف في الثمن .
عند ذلك نظرت إلى أحمد ، فأدرك أنني أريد منه أن يحمل الأضحية إلى المركبة ، حاول الإمساك بها ثم نظر نحوي ، علمت من تلك النظرة أنه يشكو إلي ثقل وزنها ، وقبل أن أكمل ابتسامتي الساخرة من عجزه ، دخل تحت الأضحية طفل لايزيد سنه عن إحدى عشرة سنة تقريبا ، وإذا به يركض وهي على ظهره نحو بوابة السوق.
وهنا تصادمت المشاعر المتناقضة في نفسي ، منها ؛ قدرة الطفل على القيام بذلك الحمل الثقيل ، وما الذي دعاه لمراقبتنا ثم انطلق كالسهم للقيام بذلك الأمر دون أن يتفوه بكلمة ؟ وكيف تجشم عناء ذلك الحمل الذي ـ ربما ـ تساوى فيه وزن المحمول بوزن الحامل ؟
انطلقنا نحو بوابة السوق ، الطفل يحمل الأضحية على ظهره أمامنا ، بشيء من العناء المؤلم ، ونحن نركض وراءه ؛ لغرض مساعدته ولكنه قال : إنها لا تؤودني ، في هذه الأثناء نظرت إلى أحمد ، وقبل أن أتفوه بالسؤال ، قال أحمد : إنها المجاعة يا أبي !!! فقلت : لاحول ولاقوة إلا بالله العلي العظيم ...