حين تصبح السيارة قبرا مغلقا

في صيفٍ لا يرحم، في المناطق اليمنية الخارة؛ حيث تتجاوز درجات الحرارة الخمسين مئوية أحيانا، يضيق الهواء، ويتحول الليل إلى امتدادٍ آخر من المعاناة. وفي ظل غياب الكهرباء والانقطاع المتكرر للتيار، تصبح وسائل التبريد نعمة مفقودة، ويبدأ الإنسان بالبحث عن أقل القليل من الراحة؛ لكن أحيانا، ما يبدو حلا مؤقتا، يتحوّل إلى مأساة أبدية!

هذا ما حدث بالفعل. رجلٌ وزوجته، لم يجدا بُدا من الهروب من حرارة البيت الخانقة بعد انقطاع الكهرباء، فركبا سيارتهما ليلا، شغّلا المكيف، أغلقا النوافذ، وناما، فلم يستيقظا أبدا.

وفي حادثٍ آخر، مجموعة من الشباب خرجوا في نزهة، جلسوا في سيارة مغلقة، شغّلوا المكيف، تدخين، وربما تعاطٍ للقات... ثم صمتٌ أبدي، وخبرٌ مؤلم ينتشر..!

ما الذي حدث؟ وكيف تتحول السيارة، التي صنعت في الأصل للسلامة والنقل، إلى غرفة قاتلة؟

عندما تُشغَّل السيارة والمكيف يعمل، خاصة في وضع الثبات أو الوقوف، والنوافذ مُحكمة الإغلاق، تبدأ الغازات الناتجة عن الاحتراق بالانتشار.

في الحالة الطبيعية، يُفترض أن تنطلق هذه الغازات إلى الخارج عبر أنظمة العادم، لكن مع وجود أعطال أو انسدادات، أو حتى في وضع الوقوف لفترات طويلة، يمكن أن يتسرّب بعض من هذه الغازات (مثل ثاني أكسيد الكربون أو أول أكسيد الكربون) إلى داخل المقصورة المغلقة دون أن يشعر أحد.

أول أكسيد الكربون، هو غاز عديم اللون والرائحة، يتكوّن نتيجة احتراق غير كامل للوقود. وعند استنشاقه، يمنع الدم من حمل الأوكسجين إلى خلايا الجسم، فيحدث الاختناق دون ألم، دون سعال، ودون مقاومة.

وهو ما يجعل الوفاة "هادئة"؛ لكن مروّعة!

يعتقد البعض أن مكيف السيارة أو مراوح التهوية قادرة على تجديد الهواء داخل السيارة.

لكن الحقيقة أن هذه الأنظمة، ما لم تُضبط على وضعية "السحب من الخارج"، فإنها تعيد تدوير نفس الهواء الموجود داخل المقصورة. ومع الوقت، يقل الأوكسجين، ويزداد تركيز الغازات الضارة.

تزداد الخطورة ليلا؛ حيث ينام الأشخاص وهم في حالة استرخاء، فلا يشعرون بانخفاض الأوكسجين أو تراكم السموم في الهواء، فيسلم الجسد أمره دون مقاومة، وتكون النهاية!

إذا أضفنا إلى هذه العوامل التدخين داخل السيارة، أو مضغ القات، الذي يُجهد القلب ويقلل من وعي الإنسان ببيئته، نكون أمام معادلة مميتة:

- الدخان يزيد من استهلاك الأوكسجين، ويضيف ملوثات أخرى للهواء داخل المقصورة.

- بينما القات يرفع ضغط الدم مؤقتا ويزيد من الاسترخاء لاحقا، مما يهيئ الجسم أكثر للانهيار الصامت.

هذه الحوادث ليست نتيجة سوء حظ؛ بل سوء وعي!

لو علِم أولئك الأبرياء مدى خطورة النوم داخل سيارة مغلقة ومكيفها يعمل، لربما اختاروا البقاء في حر المنزل بدلا من الموت في برودة المكيف.

والمشكلة أن الثقافة المجتمعية حول مخاطر "الاختناق داخل السيارة" شبه منعدمة، والقصص المتداولة لا تُروى إلا بعد أن يقع الفأس في الرأس.

فأين حملات التوعية من هذه الكوارث؟ لماذا لا تُعلق لوحات تحذيرية في محطات الوقود؟ أين دور الإعلام الوطني، ووزارات الصحة، والمرور، والدفاع المدني، في تحذير الناس من هذا الخطر القاتل؟ لماذا لا تُطلق حملات توعية على منصات التواصل؟

هذه الأرواح التي تُزهق بصمت، تُحمّلنا جميعا مسؤولية أخلاقية وإنسانية لا يجوز التنصل منها.

فإياكم والنوم في السيارات المغلقة؛ حتى ولو كانت "جديدة"، و"باردة"، و"مكيفتها تعمل بكفاءة".

احرصوا على أن يكون هناك دائما مصدر تهوية حقيقي.

تأكدوا من أن السيارة في وضع آمن، وابتعدوا عن تشغيل المحرك لوقتٍ طويل في أماكن مغلقة أو في حال التوقف التام.

ختاما: لا تُسلم رقبتك للصمت! فما أقسى أن يتحوّل سعي الإنسان للراحة، إلى موعدٍ مع الموت! وما أمرّ أن يُكتشف الجثمان في الصباح، في سيارة مغلقة، في شارعٍ هادئ، وقد فارق الحياة دون أن يودع أحدا!

لا تجعل من سيارتك "غرفة نعش"، ولا تستهين بخطر لا يُرى ولا يُشم ولا يُشعر به؛ لكنه يقتل.

الوعي هو الحياة. فأنشر هذه الرسالة؛ فربما تُنقذ بها حياة.

ودمت سالما!