الصدر الرحب للقائد: مرآة القوة ومفتاح الثقة
بقلم : د. مرسي أحمد عبدالله
إنَّ قيادة الدول ليست مجرد منصب أو سلطة، بل هي مسؤولية وطنية نبيلة تتطلب من القائد والمسؤول أن يتحلى بصفات تفوق الكفاءة الإدارية لتصل إلى عمق الحكمة والنضج الإنساني . في طليعة هذه الصفات تأتي القدرة على تحمل النقد ، والسب ، والشتم ، وحتى السخرية من المواطنين ، بقلب متسامح وصدر رحب .
في جوهر العلاقة بين الحاكم والمحكوم ، تكمن الثقة المتبادلة . وهذه الثقة لا تُبنى على الصمت أو الإذعان ، بل على مساحة مفتوحة للتعبير ، مهما كانت قاسية أحيانًا . عندما يُطلق المواطن كلماته الساخطة، سواء كانت نقدًا بناءً أو تعبيرًا غاضبًا يصل حد السب والشتم، فإنها غالبًا ما تكون صرخة يأس ، أو إشارة إلى تراكم إحباطات يعجز عن التعبير عنها بطرق أخرى . إنها ، في كثير من الأحيان ، مرآة حقيقية لواقع مرير، أو لمشاعر مكبوتة .
المسؤول الحصيف يدرك أن منصبه العام يضعه تحت المجهر ، وأن قراراته وأفعاله تؤثر بشكل مباشر على حياة الملايين. لذا، فإن صدره الواسع ليس مجرد فضيلة أخلاقية ، بل هو استراتيجية قيادية ذكية . هو يُمكنه من استيعاب غضب الناس دون أن يراه هجومًا شخصيًا ، ومن فرز الأصوات لفهم الجذور الحقيقية للمشكلات. القائد الذي يقمع هذه الأصوات، أو يسارع إلى معاقبة من يسبه، لا يُظهر قوة ، بل يُظهر ضعفًا واهتزازًا في الثقة بالنفس وبالنظام الذي يقوده .
أما القلب المتسامح فهو الدرع الواقي الذي يحمي القائد من الانجرار إلى ردود فعل متسرعة أو انتقامية. هو يُمكّنه من تجاوز الإساءات الشخصية والتركيز على المصلحة العليا للوطن. فالمسؤول الذي ينشغل بالرد على كل كلمة سيئة تُقال في حقه يُضيّع وقتًا وجهدًا كان يُمكن استثمارهما في خدمة الناس وحل مشكلاتهم.
السخرية، وإن بدت لاذعة وغير مهذبة، هي أحيانًا أداة المواطن الوحيدة للتعبير عن شعوره بالعجز أو التناقضات التي يراها في الواقع. التعامل معها بالقبول، أو حتى بتجاهل حكيم، أفضل بكثير من ملاحقة أصحابها، مما يُعزز من الصورة الديكتاتورية ويُقوّض مبدأ حرية التعبير.
في الختام، إنَّ القدرة على تحمل النقد ، والسب ، برحابة صدر وتسامح ، خصوصا عندنا يكون في محادثات وسائل التواصل ، هي جوهر القيادة الحكيمة . إنها ليست دعوة للتراخي أو السماح بالفوضى ، بل هي دعوة إلى فهم أعمق لنبض الشارع، وإلى بناء علاقة ثقة حقيقية مع المواطنة. القائد الذي يمتلك هذا الصدر الرحب يُثبت أنه قائد حقيقي، قادر على أن يرى ما وراء الكلمات ، وأن يُحوّل السخط إلى طاقة بناء، ليقود وطنه نحو الاستقرار والتقدم ، ويُعلي من كرامة كل فرد فيه .