ديناميكية بناء دولة النظام والقانون بعد تخريبها
عندما تُخرب أركان دولة ما، أو تُهدم أعمدة مؤسساتها بفعل الفساد أو النزاعات أو الفوضى، يصبح إحياء النظام والقانون بمثابة ولادة جديدة للأمل. فبناء دولة حديثة قائمة على أسس العدل والشفافية والاستقرار لا يأتي صدفة، بل هو نتيجة ديناميكية واعية ومترابطة تشمل أبعادًا سياسية وقانونية واقتصادية وأمنية واجتماعية.
هذا المقال يقدم خارطة طريق نحو استعادة دولة النظام والقانون بعد انهيارها، من خلال استعراض أبرز المؤشرات والإجراءات التي تشكّل ملامح البناء الوطني السليم وتمنحه القوة والديمومة، ومن هذه المؤشرات:
1- المؤشر السياسي:
ويتجلى من خلال إقامة حكومة مؤقتة قادرة على إدارة الشؤون العامة والخاصة، وضمان الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي.
2- وضع دستور جديد للبلد:
يحدد من خلاله المبادئ الأساسية لنظام الدولة، وينظم العلاقات بين السلطات الثلاث: التشريعية والتنفيذية والقضائية. كما يتم تضمين مبادئ عامة لآلية عمل القطاع الإعلامي ضمن ضوابط قانونية تضمن خدمة المصلحة العامة والخاصة.
3- إجراء انتخابات حرّة ونزيهة:
وفق ضوابط ومعايير دقيقة تستفيد من أخطاء الماضي، لاختيار ممثلين مؤهلين للتشريع وخدمة الوطن، بعيدًا عن الولاءات الشخصية. إذ أدى السماح لغير المؤهلين سابقًا بالمشاركة في التشريع إلى إضعاف الدولة وضرب العملية التشريعية في مقتل. كما ينبغي إلغاء القوانين التي تمنح حصانة للفاسدين، مثل القانون سيئ الصيت رقم (5) لسنة (1996)، والذي شرعن الفساد ومنح غطاءً لنهب ثروات الوطن.
4- المؤشرات القانونية:
إعادة بناء النظام القضائي وضمان استقلاليته
وضع قوانين جديدة تحترم حقوق الإنسان وتضمن الأمن والعدالة والحياة الكريمة للمواطن.
تطبيق القانون بشكل عادل ومنصف وبعيد عن الارتجالية والعشوائية، من خلال كفاءات متخصصة ومؤهلة قادرة على تنفيذ روح القانون في الواقع.
5- المؤشرات الاقتصادية:
إعادة بناء البنية التحتية وتنمية اقتصاد الدولة وتفعيل مواردها.
تشجيع الاستثمار وتهيئة بيئة اقتصادية مستقرة ومحفزة.
توفير فرص عمل وتعزيز سوق العمل الوطني بتأهيل ذوي المهارات والحرف.
6- المؤشرات الاجتماعية:
إعادة بناء الخدمات العامة مثل التعليم، والصحة، والشباب، والرياضة على أسس تعزز الانتماء الوطني والديني.
تعزيز الوحدة الوطنية وتماسك النسيج الاجتماعي وبث روح التسامح والتكافل.حماية حقوق الإنسان واحترام الكرامة الإنسانية، وتكريس مبدأ التعايش السلمي داخليًا وخارجيًا.
7- المؤشرات الأمنية
إعادة هيكلة القوات الأمنية والعسكرية وتأهيلها بما يعكس فلسفة نظام الحكم، ويحترم حقوق الإنسان بغض النظر عن الجنس أو الدين أو اللون، ما دام الجميع ملتزمًا بالقانون._
ضمان الأمن والاستقرار، وتكريس حرية الرأي بما لا يهدد سلامة الوطن أو وحدة مجتمعه.
8- مكافحة الفساد:
محاربة الفساد بكل صوره، وضمان الشفافية في إدارة الشأن العام، وتفعيل مبدأ المساءلة والرقابة، لا سيما على المؤسسات الإيرادية، وإنهاء ثقافة الإفلات من العقاب أو تدوير الفاسدين، مع تطبيق صارم وعادل للقانون.
وختاما إن مشروع إعادة بناء دولة النظام والقانون بعد تخريبها لا يتحقق إلا من خلال عقول وطنية ناضجة تتجاوز الأنانية والنرجسية، وتؤمن بأن استقرار الوطن هو ثمرة العدالة والشفافية، لا المحاباة والولاءات الضيقة. فحين يُوضع الرجل المناسب في المكان المناسب، وتُحتَرم القوانين وتُطبَّق على الجميع دون استثناء، تُولد الدولة من جديد... دولة تُبنى على العقل لا على العاطفة، وعلى الحق لا على الانتماء، وعلى المصالح الوطنية لا الشخصية.