عايشين عناد..

بقلم الدكتور فوزي النخعي 

هو مثل عدني مشهور في كل حواري وشوارع وأزقة عدن الحبيبة على قلبي، تسأله كيف الاوضاع؟ يرد عليك عايشين عناد!!  هذا المثل من الأمثال الشعبية العدنية الدالة على الصبر والتحدي والإصرار  والمقاومة على البقاء رغم صعوبة الظروف، وغالبًا ما يُقال هذا المثل حين يتساءل أحدهم كيف ما زال الناس يعيشون في ظل الضيق أو الغلاء أو القهر، فيأتي الرد: "عايشين عناد"،  نعيش لا لأن الحياة ميسّرة، بل لأننا نُكابر الظروف ونعاند القهر، نعيش كنوع من التحدي، لا من الرفاه.

ليس، لأن الحياة بخير، ولا لأن الوضع مستقر، ولا لأن الحكومة ترعانا حق رعاية، نعيش لأننا نتحدى، نعيش لأننا نكابر الظروف، نعيش لأننا لن نرضى بالانكسار، وفي عدن، في كل حارة وشارع، تجد قصة صبر، ومصابرة،  قصة ألم وقهر، قصة بؤس وحزن، ناس بدون كهرباء، بدون رواتب، بل وحتى بدون أمل واضح.

عبارةٌ تختصر الحكاية، وتلخص تفاصيل العيش في مدينةٍ أنهكها الغلاء، وأوجعها الانفلات، وتنازعها المتنازعون حتى تفرّقت فيها سبل العيش وتقطّعت أوصال الخدمات، لا كهرباء تُضيء ليالي الناس، ولا مياه تروي عطشهم، ولا أمن يطمئن قلوبهم، ومع ذلك، ما زالوا يعيشون، لا رفاهًا، بل عنادًا، ليس العناد هنا ضربًا من الجنون أو المكابرة المجانية، بل هو فعل مقاومة، مقاومة للموت البطيء، للتجويع، للإذلال، للخذلان السياسي، والتآمر الإقليمي والمحلي، والإهمال الداخلي، هو رغبة في البقاء ولو بصيغة التحدي.

في شوارع عدن، ترى أطفالًا يبيعون الماء في الزحمة، ونساءً ينتظرن ساعات أمام صهاريج المياه، وعمالًا يمشون مسافات طويلة لأنهم لا يملكون أجرة مواصلات، تراهم جميعًا يبتسمون أحيانًا، لا لأن الحياة جميلة، بل لأنهم تعلموا كيف يعيشون رغم القبح.

"نعيش عنادًا"، هذه ليست جملة تبريرية، بل شعار غير معلن لجيلٍ يرفض أن يُكسر، جيلٍ يدرك أن لا شيء يتغير بسهولة، لكنه يراهن على صبره الطويل.

وإن كان العناد في بعض الأحيان يُنتقد في السياسة والقرارات، فإنه في هذه الحالة فضيلة، لأنه بات شكلاً من أشكال الصمود، وكأنّ اليمنيين يقولون للعالم: لم نعد نعيش لأنكم تمنحوننا أسباب الحياة، بل لأننا نُصرّ على أن نحيا رغم أنف الجميع.

      ودمتم سالمين