في المعلا بين الرحمة والخوف
أنا "أم سارة"، ساكنة في الشارع الرئيسي، من يوم ما فتحت عيوني وأنا هنا. اشتغلت في المجال الإنساني، وسط أهلي وجيراني، ساعدت النازحين، عالجت نسوان، وقفت مع أطفال في الشارع، زرعت الأمل في الكثيرين.
لكن لما أخرج للدوام، وأشوف وجوه جديدة تتكاثر يوم عن يوم، قلبي ينغز. الله يعلم إننا ناس نحب الخير، بس لأن الذاكرة ماتنسى. 2015 لما انفجرت الدنيا، كنت في نفس الشارع... شفت ناس كنا نطعمهم ونساعدهم، فجأة تحولوا لجنود وقناصة! رصاصهم كان فوق رؤوسنا، قتلوا صاحب البقالة، والفران، وبنت الجيران اللي كانت تضحك معنا أمس.
أنا اليوم لما أسمع من المنظمة: "لازم نستقبلهم، لازم نساعدهم، هذا واجب إنساني"... أتمرجح بين قلبي اللي تربى على الرحمة، وبين خوفي اللي ما عاد يسكت. أقول في نفسي: "يعني على طول قلوبنا تكون مفتوحة؟ وبكرة يطلعلنا واحد من تحت الدكة ماسك سلاح؟"
مشكلتي مش مع الناس الهاربين من الحرب، مشكلتي مع الغدر اللي يندس بينهم. ومع كل تقرير أكتبه، ومع كل وجبة أوزعها، يتضارب رأسي: أكون إنسانية؟ ولا أكون بنت عدن اللي شافت الموت بعينها؟
ما أقدر أقول للمنظمة "هؤلاء خطر"، ولا أقدر أسكت وأضحك للكاميرا. فأعيش بين نارين، أشتغل من قلب، وأخاف من قلب. حاسة كأني أحمل قنبلة في شنطة الإسعاف، بس ممنوع أصرخ.
عدن تستاهل السلام... بس مش على حساب دمنا مرة ثانية.
/