مجلس القيادة الرئاسي في اليمن : رهان سعودي لم يؤتِ ثماره بعد
بقلم د. مرسي أحمد عبدالله
في خطوة وصفت حينها بأنها محاولة لتوحيد الصف اليمني وإنهاء الصراع الدائر منذ سنوات ، أعلنت المملكة العربية السعودية في أبريل 2022 عن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي في اليمن . جاء هذا الإعلان من الرياض ، وبدعم إماراتي ، مترافقًا مع نقل الرئيس اليمني السابق عبد ربه منصور هادي صلاحياته لهذا المجلس، الذي ضم شخصيات وكيانات يمنية متنوعة ، بما في ذلك ممثلين عن المجلس الانتقالي الجنوبي .
كان الهدف الظاهري من تشكيل هذا المجلس متعدد الأوجه : توحيد جبهة "الشرعية" في مواجهة الحوثيين ، دفع عجلة الحل السياسي ، وتحقيق استقرار يمني منشود . كما أن وجود أطراف جنوبية في هذا الكيان الموحد اعتبره البعض محاولة سعودية لـ "إدارة" مسألة الوحدة اليمنية ، واحتواء المطالب بإستعادة الدولة الجنوبية ضمن إطار الدولة اليمنية المعترف بها دوليًا ، بدلًا من تركها تتفاقم وتزيد من تعقيد المشهد.
أداء المجلس : وعود لم تتحقق
بعد مرور أكثر من عامين على تشكيله ، أصبح من الواضح أن مجلس القيادة الرئاسي لم يحقق الأهداف المرجوة منه بالشكل الكافي ، إن لم يكن قد فشل في تحقيق تقدم ملموس في الملفات الرئيسية الموكلة إليه .
على الصعيد الاقتصادي ، لا تزال اليمن غارقة في أزمة إنسانية واقتصادية خانقة . لم يتمكن المجلس من تحقيق أي استقرار اقتصادي يذكر ، فالريال اليمني يواصل انهياره ، والخدمات الأساسية تتردى بشكل مطرد ، تاركًا ملايين اليمنيين يواجهون الفقر والجوع . الوعود بتحسين الأوضاع المعيشية وتبني إصلاحات اقتصادية ظلت حبرًا على ورق ، أو لم تتمكن من تجاوز التحديات الهائلة على الأرض .
أما في الملف العسكري ، فلم يحرز المجلس أي تقدم في استعادة المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين ، وعلى رأسها العاصمة صنعاء . الجبهات ظلت راكدة ، بل إن بعض التقارير تشير إلى تراجع الدور القتالي لبعض الفصائل التابعة للمجلس ، مما أثر سلبًا على الروح المعنوية ، وعزز من سيطرة الحوثيين على مناطق نفوذهم .
داخليًا ، ورغم محاولة إظهار جبهة موحدة ، فإن الخلافات والصراعات على النفوذ بين مكونات المجلس ظلت بارزة . التباينات في الأجندات والمصالح بين القوى الشمالية والجنوبية ، وحتى بين الفصائل داخل كل منهما ، أثرت سلبًا على قدرة المجلس على اتخاذ قرارات حاسمة وتنفيذها بفعالية ، مما أفقده جزءًا كبيرًا من قوته وشرعيته في عيون الشعب اليمني .
هل كانت السعودية مخطئة ؟
بالنظر إلى هذه النتائج المخيبة للآمال ، يمكن القول إن الرهان السعودي على مجلس القيادة الرئاسي لم يؤتِ ثماره بالكامل ، ويمكن اعتباره خطأً استراتيجيًا من زاوية الأهداف المعلنة والنتائج المحققة . هذا لا يعني أن السعودية كانت مخطئة في نيتها إيجاد حل ، لكن التقديرات التي بُني عليها هذا التشكيل ربما لم تكن دقيقة بما يكفي لتعقيدات المشهد اليمني .
قد تكون أسباب هذا الخطأ متعددة :
* صعوبة توحيد الأضداد : ربما بالغت السعودية في قدرتها على صهر فصائل يمنية ذات أجندات متناقضة وتاريخ من الصراعات تحت مظلة واحدة .
* ضعف القوى المحلية : الاعتماد على قوى يمنية لم تثبت قدرتها على تحقيق انتصارات حاسمة أو فرض سيطرة مستقرة دون دعم خارجي مكثف ومستمر .
* أولويات متغيرة : ربما تحولت الأولويات السعودية من الحسم العسكري إلى البحث عن مخرج سلمي من المستنقع اليمني ، مما قلل من الدعم اللازم للمجلس لتحقيق أهدافه العسكرية .
* تعقيد المشهد اليمني : الأزمة اليمنية ليست مجرد صراع داخلي ، بل تتشابك فيها الأجندات الإقليمية والدولية بشكل معقد للغاية ، مما يجعل أي حلول خارجية صعبة التطبيق .
إن فشل مجلس القيادة الرئاسي في تحقيق أي تقدم ملموس يترك تداعيات وخيمة . فمن جهة، يستمر تفاقم الأزمة الإنسانية والاقتصادية ، ومن جهة أخرى ، يتعزز موقف جماعة الحوثي ، مما يزيد من صعوبة التوصل إلى حل سياسي شامل. كما أنه يقوض الثقة في الحلول التي ترعاها أطراف خارجية، ويدفع اليمنيين للبحث عن مسارات بديلة لإنهاء معاناتهم .