قرأت عن رجلٍ كان صوته وطنًا.. سعيد ثابت سعيد

لم أكن أعرفه من قبل…
مجرد اسم مرّ أمامي في سطرٍ عابر، فدفعني الفضول لأتوقف، أبحث، أقرأ، وأغوص في حكاية رجل اسمه سعيد ثابت سعيد.

ويا لدهشتي…
كأنني وقعت على ذاكرة كانت تُكتب بصمت، على رجل لم يكن مجرد صحفي يقتات من الأخبار، بل شاهد مرحلة، وضمير قلم، وصوت وطن كان يتنفس من بين فواصل الكلمات.

قرأت عنه كثيرًا، لكن ما لفتني لم يكن تاريخه المهني فقط، بل روحه التي تسكن بين السطور.
كان يكتب عن اليمن لا كموضوعٍ صحفي، بل كمن يكتب عن أمه… عن وجعه… عن بيته الذي يتشقق، ويظل رغم التصدعات أحبّ الأماكن.

سعيد ثابت، ابن مرحلة ما قبل الوحدة، حيث كان الإعلام يملك هيبة، والصحافة تشبه الرسالة، لا المهنة. كتب في صحيفة "الصحوة" بجرأة، ووقف في وجه الريح دون أن يتعكز على أحد، وحين التحق بـ"الجزيرة"، لم يكن مراسلًا فحسب، بل مرآةً عاكسة ليمنٍ كانت تُسرق أمام أعيننا.


وأنا أقرأ، فكرت كثيرًا…
كيف كان يكتب حين كانت الحرية حلمًا؟
كيف كان يزن كلماته، ويقفز على الألغام، ويغرس الحقيقة في أرضٍ لا تطيقها؟

ما الذي تغيّر اليوم؟
هل غابت الأقلام، أم جفّ الحبر؟
هل مات الصحفي داخل من بقوا أحياء، أم أننا من مات فينا الإحساس بقيمة الكلمة؟

نعيش اليوم زمنًا تتحدث فيه البنادق أكثر من الأقلام، وتُشترى المنابر كما تُشترى البضائع.
والقارئ؟ تائه بين الصدق والتضليل…
بين من يكتب له، ومن يكتب عليه.

لكن هناك شيء ما في تجربة سعيد ثابت، يجعلني أوقن أن الحرف الحقيقي لا يموت…
ربما يُقصى، يُشوه، يُتهم، لكنه لا يموت.
بل يظل حيًّا في ذاكرة الباحثين عن النور وسط العتمة.


قرأت عن سعيد ثابت، فشعرت أني قرأت عن اليمن…
عن تلك الروح المقاومة التي ما زالت، رغم كل شيء، تحاول أن تبقى.

وسأقولها لنفسي:
كلما ضعفتِ، عودي إلى سيرة من كتبوا في وجه الريح…
وتعلمي كيف يكون الصوت وطنًا، حتى لو خذله الجميع.