احتكار الوطنية والدين: حين تتحول مأرب إلى "مقدّس سياسي" منهج الاصلاح الحزبي
يعيش المشهد السياسي اليمني في ظل أزمة فكرية عميقة، لا تتعلق فقط بتصارع المشاريع، بل بطريقة التفكير التي تُدار بها المواقف، وتُصاغ بها الشعارات. ومن أخطر ما يظهر في هذا السياق، هو أن بعض التيارات، وفي مقدمتها من يندرجون ضمن إطار الإصلاح الإخواني، قد باتوا يتعاملون مع مأرب وكأنها المقياس الوحيد للوطنية والدين.
ففي خطابهم المتكرر، تجد عبارة: "لا دولة إلا في مأرب، لا وطن إلا في مأرب، ولا مشروع إلا في مأرب!" وكأن اليمن بأكمله اختُزل في محافظة واحدة، وأي نقد أو اختلاف في التقييم يُعد خروجًا عن الصف، أو خيانة، أو حتى كفرًا سياسيًا.
---
مأرب إنجاز.. لكنها ليست معيارًا مطلقًا
لا أحد ينكر أن مأرب قدّمت نموذجًا إيجابيًا نسبيًا في بعض الملفات، ونجحت في الحفاظ على تماسك مؤسساتها في وقت انهارت فيه مؤسسات كثيرة في مناطق أخرى. لكن تحويل هذا النجاح النسبي إلى قداسة مطلقة، واعتباره معيار الوطنية والإيمان، هو خلل في الفهم السياسي والديني معًا.
الوطن لا يُختزل في محافظة، والدين لا يُحتكر في خطاب سياسي. من حق أي طرف أن يفتخر بإنجازاته، ولكن ليس من حقه أن يُشيطن الآخرين أو يُقصيهم من دائرة الدين والوطن لأنهم يختلفون معه.
---
خطاب الإخوان: من خالفنا فهو خارج الدين والوطن
تيار الإخوان – تحت عباءة الإصلاح – يمتلك خبرة طويلة في تسويق نفسه على أنه صاحب الحق الإلهي، وأن كل من يخالفه هو بالضرورة "علماني" أو "مارق" أو "مشروع خارجي". هذا السلوك ليس مجرد رأي، بل هو نهج متكرر منذ سنوات. يتم إلصاق تهم "العلمنة" و"التحلل من الدين" و"الخروج عن المشروع الوطني" بكل من يعارض خطابهم أو ينتقد مناطق نفوذهم، وكأنهم وحدهم على الحق، والبقية في الضلال المبين.
---
الوطن يتسع للجميع.. ولا أحد يملك صك الوطنية
اليمن ليس مأرب وحدها، ولا حضرموت وحدها، ولا عدن، ولا صنعاء. اليمن نسيج واسع، يتشكل من تعدد مناطقه وتنوع قياداته وتجارب أبنائه. اختزال الوطن في منطقة أو فئة هو أول خطوات التدمير السياسي.
ومن أخطر ما في هذا الخطاب الإقصائي، هو إسقاط القداسة على الجغرافيا، بحيث يصبح نقد مأرب كأنه تطاول على الدين أو الوطن. بينما في الحقيقة، النقد جزء من البناء، والرأي المختلف ضرورة من ضرورات التوازن السياسي.
---
الخلاصة: مأرب تجربة.. لا مرجعية مطلقة
يجب أن يُفهم أن مأرب – كما غيرها – تقدم تجربة يمكن تقييمها بموضوعية. قد تحتوي على نقاط قوة، وقد تكون فيها إخفاقات. لكنّ التعامل معها كـ"قبلة سياسية" ووصفها بمركز الوطنية الوحيد، هو نوع من الفكر الإقصائي المغلّف بالدين.
نريد خطابًا وطنيًا يتّسع للنقد والاختلاف، لا خطابًا يُخرِج المخالفين من الدين والوطن.
نريد يمنًا يتشارك الجميع في صناعته، لا يمنًا محكومًا بوصاية دينية حزبية.