لا يُلدغ المؤمن من جحر مرتين

شهدت حضرموت، عبر تاريخها الحديث، محطات فارقة أُسقطت فيها السيادة تحت وطأة الإكراه السياسي لا الإرادة الشعبية.. ففي عام 1967، ضُمت حضرموت قسرًا إلى جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية دون استفتاء شعبي أو تفويض شرعي، رغم أنها كانت آنذاك تحت راية السلطنتين الكثيرية والقعيطية، وتحظى بحماية المستعمر البريطاني الذي احتل عدن لما يقارب 139 عامًا.

عقب انسحاب البريطانيين من عدن، تدهور المشهد السياسي، واستولت الجبهة القومية بالقوة على مدينة المكلا، ثم سيئون، لتُسقط بذلك الكيانين السلطويين في حضرموت. وكان المؤسف أن من قاد تلك العمليات كانوا من أبناء حضرموت أنفسهم، غير أن حظهم العاثر قادهم لتسليم أرضهم لحكم لم يكن يحمل من العدل إلا اسمه. وها هو التاريخ يعيد نفسه، ولكن هذه المرة بوعي مختلف ورؤية أكثر نضجًا.

اليوم، أبناء حضرموت من مختلف الشرائح الاجتماعية والسياسية، باتوا أكثر إدراكًا للتاريخ، وأكثر حرصًا على مستقبلهم، وأجمعوا على ألا تتكرر مأساة الأمس. انطلقت المبادرة من حلف قبائل حضرموت، بقيادة رجل يُشهد له بالحكمة والخبرة، وهو الشيخ عمرو بن حبريش، الذي تولى رئاسة الحلف عقب استشهاد عمه القائد سعد بن حبريش في 2013 على يد قوات غادرة.

تولى ابن حبريش بعد تحرير ساحل حضرموت من براثن الإرهاب منصب وكيل أول لمحافظة حضرموت، وهناك لمس عن قرب مكامن الفساد والظلم، ثم اتخذ قراره الحاسم، بقيادة الحلف من خارج دوائر السلطة، حيث أعلن في 31 يوليو 2024، من الهضبة، انطلاقة جديدة نحو توحيد الصف الحضرمي.. وقد نجح بالفعل في لمّ شمل المكونات القبلية والسياسية والمجتمعية تحت هدف واحد: الدفاع عن الحقوق السيادية لحضرموت.

ورغم الهجمات الإعلامية التي تطاله وتستهدف الحلف، والتي تقف وراءها أطراف حزبية فشلت في الماضي والحاضر، إلا أن المسيرة ماضية بثبات نحو تحقيق مشروع الحكم الذاتي لحضرموت، باعتباره خيارًا واقعيًا ومخرجًا عمليًا للأزمة المستفحلة، ليس في حضرموت فحسب، بل في اليمن عمومًا.

من هنا، فإن على العقلاء والمنصفين أن يستجيبوا للمطالب المشروعة لأبناء حضرموت، الذين سئموا الإقصاء والتجاهل، ودفعوا ثمن ذلك في كافة مناحي الحياة. لقد آن الأوان للاستماع لصوت حضرموت، وصون كرامتها، وتقدير دورها التاريخي.

أما "مؤتمر حضرموت الجامع"، فهو كيان سياسي ولد من رحم حلف قبائل حضرموت، يضم في عضويته الحضرميين فقط، ويرأسه شخصية حضرمية، على خلاف المكونات الأخرى التي تبنت رؤى خارجية وانتهت إلى الفشل بعد أحداث 2011م. وهذا ما يمنح هذا الكيان الجامع ميزة التماسك والفاعلية، ويجعل منه منصة سياسية شرعية ومعبرة عن الطموحات المحلية.

آخر الكلام :
لن يُلدغ أبناء حضرموت مرة أخرى من الجحر ذاته. ما حدث في عام 1967 لن يتكرر، حتى وإن ظل المشهد السياسي الحالي غامضًا ومفتقرًا لرؤية واضحة لمستقبل الدولة. 
لله الأمر من قبل ومن بعد.