حين تنقلب الثورة على شعبها

لم يَروِ لنا التاريخ في كتب الثورات العظيمة أن الثوار، أولئك الذين حملوا راية التغيير على أكتافهم، ينقلبون يوماً على شعوبهم فيسرقون قوتهم، ويغضّون الطرف عن جوعهم، ويتلذذون بما لذّ وطاب بينما الجياع يتنفسون الألم.

كل ثورةٍ وُلدت من رحم المعاناة، كانت وعداً بالعدل والكرامة. الثوار الحقيقيون لم يكونوا يوماً تجار أزمات، ولم يمتهنوا إذلال الشعوب التي وثقت بهم. ولكن ما نراه اليوم هو صورة مقلوبة عن المعنى الحقيقي للثورة. مشهدٌ عبثيّ تحكمه الازدواجية : شعبٌ يفتقر إلى لقمة العيش، وثوارٌ يحتفلون بانتصاراتهم الشخصية على موائد مترفة لا تعكس سوى الخيانة.

ثلاثة أشهر مضت بلا رواتب، بلا إنصاف، بلا أدنى شعور بالمسؤولية من أولئك الذين يُفترض أنهم في صف الشعب. كيف يُبرَّر هذا الصمت؟ كيف يتحول صوت الثورة إلى فوضى تُغذّيها مصالح ضيقة ومطامع لا تمتّ للعدالة بصلة؟

إن الثورة الحقيقية لا تكون إلا حين يعلو صوت الجائع، ويُداس على رقبة السارق. حين تُمحى الطبقية بين "الثائر" و"المواطن"، حين يكون الانتصار مشتركاً، والكرامة مضمونة للجميع. أما أن يتلذذ البعض بمعاناة شعبه، فهذه ليست ثورة، بل خيانة مغلّفة بشعارات زائفة.