دهاليز السياسة

بقلم: سناء العطوي 

(هل ما يحدث تحسُّن حقيقي… أم مجرد لعبة وخدعة بحق الوطن والشعب؟)

في الجنوب، لا شيء يحدث صدفة.
ولا شيء يمرّ دون علامة استفهام.
ولا تحسّن يُصدّق قبل أن نُقلبه على كل وجه، ونسأل: ما الذي تغيّر فعلًا؟

مؤخرًا…
تحسّن صرف الريال فجأة،
انخفض الدولار فجأة،
ونزلت حملات ضبط الأسعار للميدان… فجأة.
الناس فرحت، تنفست قليلًا، وبدأوا يقولون:
"الحمد لله، أخيرًا انفكّت الغمّة."
لكنّي، مثل كثيرين، لم أفرح تمامًا.

القلق في القلب أكبر من كل أرقام الاقتصاد.
لأننا نعرف أن في هذا الوطن، خلف كل ابتسامة، دهليز.
دهاليز السياسة مظلمة، ومليئة بالحسابات الخفية.
نعرف هذا السيناريو:
حين يُخفَّض الدولار في العلن، قد يُباع الوطن في السر.
وحين تنزل الأسعار قليلًا، تُجهَّز لنا خيبة أكبر من السابقة.

نعم، المواطن البسيط لاحظ فرقًا…
سعر الرز نزل، الغاز توفر، الأسواق هدأت.
لكن هل هذا التحسّن دائم؟
هل هو حقيقي؟
أم أنه مجرد مهدئ مؤقت لشارع يغلي؟

يقول المثل: "ما يتأخر السيل إلا من كبره… بس نخاف يغرّقنا بدل ما يروينا."
ونحن فعلًا خائفون… لا من التحسن، بل من خداع الأمل.

نسأل بصوت واضح:
من يقف خلف هذا التغير؟
هل تمهَّد الأرض لحكومة جديدة؟
هل هناك دعم خارجي مشروط؟
أم أن كل ما يجري ليس سوى جزء من لعبة سياسية نُستخدم فيها كورقة، لا أكثر؟

نحن لا نُمانع الفرج، بل نحلم به، وندعو له، ونتنفسه أملًا،لكننا سئمنا من أن تكون الفرحة مجرد ستار يُغطي واقعًا قاسيًا.

وفي جانب آخر لا يقلّ أهمية…
صرف المرتبات.
مرتبات الموظفين تتأخر شهرًا، واثنين، وأحيانًا أكثر، ولا أحد يعتذر، ولا أحد يوضح، وكأن لقمة العيش أمرٌ ثانوي.
يا سادة، صرف المرتب في وقته حقّ، لا منحة.
وحتى لو صُرفت، فهي لم تعد تكفي شيئًا في ظل مواصلات تنهك الجيوب، وتجار يضاعفون الأوجاع.

نقولها بصدق:
التحسّن لا يبدأ من السوق، بل منكم أنتم… من السلطات العليا.
من قراراتكم، من شفافيتكم، من احترامكم لهذا الشعب.
إذا كنتم تريدون التغيير، فابدأوا بأنفسكم أولًا.
نظّموا صرف المرتبات، راقبوا أنفسكم كما تراقبون الأسواق،
أثبتوا أنكم تمثلون الناس، لا تتحكمون فيهم.

وكفى تصريحات من خلف المكاتب والشاشات!
انزلوا للشارع، للميدان، للمواطن نفسه.
أعلنوا بوضوح أن ما يحدث حقيقي، لا مؤقت.
صرّحوا بأن هناك خطة واضحة، لا مجرد موجة تمرّ.
فمن يريد بناء الثقة، لا يختبئ خلف الشاشات، بل يواجه الناس في أرض الواقع.

أيها الساسة:
لا تستهينوا بعقل المواطن،
ولا تظنوا أن الفقير لا يفقه،
فهو يعرف، لكنه يصمت لأن الجوع أقسى من الكذب.
لكن لا تراهنوا على صمته طويلًا… فحين يثور، لا يرحم.

الشعب ليس عدو التحسن، بل المتعطش له، لكنه لا يريد فتاتًا مغلفًا بالكلام،بل خبزًا بنكهة العدل، وفرحة لا تُسرق بعد أيام.

نعم، نحن نحلم بالفرج، ونُصلّي له،لكن لا تزرعوا الأمل في قلوبنا ثم تسحقوه بلا رحمة.
ولا ترفعوا سقف التوقعات ثم تتركونا تحته مدهوسين.

إن أردتم أن نصدق…
انزلوا لمستوانا.
اشرحوا بلغة الناس،
قولوا: "نعم، هناك تحسّن، وهذه أسبابه، وهذه خطتنا."
لا أن تتركوا الشارع يتخبط، والناس تصفق لأشباح في الظلام.

في دهاليز السياسة… كل شيء جائز.
وغدًا، حين ينكشف الستار،
سيُحاسب التاريخ كل من ظنّ أن الشعب لعبة،
وأن الوعي خرافة،
وأن الوجع يُشترى بسعر صرف مؤقت.

هذا الوطن… وهذا الشعب…
يراقب
يتأمل
ويخزن غضبه في صدره…
بانتظار لحظة الانفجار.


          الكاتبة: سناء العطوي